سعر الدولار في لبنان.. تحرك "غامض" من المركزي لإنقاذ الليرة
تشهد السوق الموازية في لبنان ارتفاعا جنونيا في سعر صرف الدولار، ما تطلب إعلان حالة طوارئ رسمية لمحاولة السيطرة على هذه الأوضاع.
وفي اجتماع عقد الثلاثاء الماضي برئاسة مجلس الوزراء بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تم الاتفاق على اتخاذ عدة إجراءات، لمحاولة ضبط سعر الصرف، وعلى إثرها أعلن المصرف المركزي أنه سيتدخل في السوق ليحدّ من تدهور الليرة في السوق الموازية بعدما لامس الدولار 29 ألف ليرة.
وأعلن المركزي عن تزويد المصارف العاملة بما اعتبره "حصّتها النقدية لما بقي من هذا الشهر" بالدولار الأمريكي النقدي بدلاً من الليرة اللبنانية، وذلك على سعر صرف منصّة "صيرفة".
وفي الإعلان عينه قال مصرف لبنان إنّه "سيتمّ تنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الأجنبية نقداً بالليرة اللبنانية على السعر المحدّد في التعميم 151 أي 8000 ليرة لبنانية".
التعميم رقم 161
وأصدر مصرف لبنان تعميما حمل الرقم 161 موجّه الى المصارف، ويتضمن إجراءات استثنائية للسحوبات النقدية.
وبناء على قرار المركزي، واستنادا إلى التعميم واستثناءً لأي نص تنظيمي صادر عن مصرف لبنان، يقوم "المركزي" بتزويد المصارف بالدولار الأمريكي على أساس سعر الصرف المعلن يوميا لليرة اللبنانية تجاه الدولار لعمليات التداول المنفذة على منصة "صيرفة" ضمن المبلغ المتبقي من السقف المحدد لكل مصرف لشهر ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وبحسب التعميم، على المصارف أن تقوم بدفع كامل المبلغ المطلوب على شكل أوراق نقدية بالدولار الأمريكي للعملاء بسعر منصة "صيرفة" بدلا من تسديد المبالغ التي تعود إليهم بالليرة اللبنانية الناتجة عن إجراء سحوبات أو عمليات صندوق نقداً من الحسابات أو من المستحقات العائدة إليهم وفق الحدود المعتمدة لتنفيذ هذه العمليات لدى المصرف المعني.
وفي حال أراد العميل عكس ما ورد في هذا التعميم، فعليه أن يتقدم بطلب خطي بهذا المعنى لدى المصرف المعني، على أن يُعمل بهذا القرار لغاية 31 ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري.
تأمين الدولارات
وفي شرح أسهل بهذه الطريقة، بدلاً من أن يحصل عميل المصرف على 800,000 ليرة لقاء سحبه مبلغ 100 دولار من المصرف سيتمّ تحويل الـ800 ألف ليرة الناتجة عن العمليّة إلى دولارات نقديّة بسعر المنصّة (22300 ليرة للدولار)، ما يعطي المودع نحو 35.8 دولار نقدًا من السحب الأساسي بقيمة 100 دولار.
أما بالنسبة لتأمين الدولارات فكل مصرف لديه حصة شهرية بالليرة اللبنانية يتسلمها من مصرف لبنان لتعاملاته المالية، وبعد التعميم، يقوم مصرف لبنان ببيع كل مصرف ما تبقى له من الحصة العائدة إليه لشهر ديسمبر/كانون الأول بالدولار الأمريكي بدل إعطائه هذه الحصة بالليرة، مع احتساب الدولار على أساس سعر "صيرفة". مثلا، إذا حدد مصرف لبنان حصة ديسمبر لمصرف معيّن عند 100 مليار ليرة، وسحب هذا المصرف حتى صدور التعميم الجديد 80 مليارا مما يحق له من سيولة بالليرة من مصرف لبنان شهريا، ليغطي السحوبات للمودعين بالليرة خلال هذا الشهر، فيتبقى لهذا المصرف 20 مليار ليرة يمكنه أن يسحبها من مصرف لبنان لما تبقى من ديسمبر، على ان يبيع "المركزي" المصرف المعني الـ20 مليار ليرة بالدولار الأمريكي على أساس 23 ألف ليرة، أي سعر المنصة، ليقوم المصرف بدوره ببيع هذه الدولارات للمودعين بسعر 23 ألف ليرة للدولار، أي بسعر أقل من سعر دولار السوق السوداء.
قرار غامض
القرار الغامض بآليته التنفيذيه عاد وشرحه ليل أمس حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في إطلالة تلفزيونية قصيرة، مؤكداً على أن المصرف المركزي تدخل في سوق القطع عندما رأى تراجعاً كبيراً للعملة المحلية، وهذا عمل المصارف المركزية في العالم.
وأوضح سلامة أن “للمصارف حصة بالليرة اللبنانية، وسنسلمّها ما تبقى منها بالدولار بعد تحويل الليرات المتبقية من هذا السقف على الدولار على أساس سعر صيرفة”.
وقال إنه "يمكن للمصارف ان تلبي العملاء بالدولار على أساس سعر صيرفة"، مشيراً إلى أن “التداول أعطى نتائج أولية إيجابية وسنكمل في هذا الموضوع".
وأضاف، “بعض المصارف التي سحبت حصتها بالليرة اللبنانية يمكنها ردّها وأخذ الدولارات ودفعها على أساس سعر صيرفة للعملاء.
وأشار سلامة إلى أن أي عملية سحب من المصارف ستجري حتى نهاية العام ستكون عبر الدولار الذي يؤمنه مصرف لبنان على سعر صيرفة إلا إذا أراد العميل عكس ذلك، مشيراً إلى أنه هناك إمكانية للمصرف المركزي للاستمرار بهذا الأمر إلى عدة أشهر.
من أين تأتي الدولارات؟
وفي هذا السياق استفسر الخبير الاقتصادي جان طويلة عن "مصدر الدولارات التي يقوم مصرف لبنان بضخها في السوق السوداء". وقال لـ"العين الاخبارية": "صحيح أنّ المركزي يضخّ الدولارات، وعلى المدى القصير قد تسود حالة من الهدوء في السوق نوعاً ما، لكن على المدى المتوسط والطويل لن يتغيّر أيّ شيء، والدولار سيواصل مساره التصاعدي".
ولفت طويلة إلى أنّ "من الممكن أن يُضبط سعر صرف الدولار في اليومين المقبلين، لكن على المدى الطويل سيسلك الدولار منحاه التصاعدي مجدداً".
وأشار طويلة إلى أن مصرف لبنان سيستخدم الاحتياط من العملة الصعبة لديه وسيتراجع أكثر في وقت نحن بأمسّ الحاجة إلى العملات الصعبة الموجودة في السوق، ويأتي ذلك ضمن استراتيجية وقف الانهيار والقيام بالإصلاحات".
وشدد على أنّ الدولارات الباقية لدى مصرف لبنان يجب استخدامها لإعادة أموال المودعين، ولحماية الليرة من الانخفاض الجنوني عبر تأمين حدّ أدنى من الاستقرار النقدي، وذلك عن طريق استخدام هذه الدولارات للقيام بالإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي. إلّا أنّ "المركزي" يواصل من خلال هذه الإعلانات والتعاميم خلق أسعار صرف متعدّدة، وهو وضع مخالف لما يأمل صندوق النقد تحقيقه في لبنان من خلال توحيد أسعار الصرف.
سياسة ترقيعية
وقال إن كلّ ما يقوم به "المركزي" الآن هو سياسة ترقيعية، لأن لبنان بحاجة إلى دولارات، ولا سبب لدخولها إلى الاقتصاد اللبناني. فكيف سينخفض سعر الصرف وسط غياب الإصلاحات، وتوتر الوضع الأمني والسياسي، وتوقف الحكومة عن العمل، من دون أيّ بوادر إيجابية تسمح للوضع بالتحسّن بطريقة مستدامة؟
وأشار طويلة إلى أنّ التعميم الجديد الرقم 161 سيكون له تأثير سلبي على سعر الصرف، إضافة إلى حرق ما بقي من دولارات. لذلك يمكن وصف ما يقوم به المركزي بالخطط الترقيعية من دون أيّ رؤية شاملة ومتكاملة كي يؤمّن على أساسها الاستقرار النقدي. ولتأمين الاستقرار النقدي يجب ضبط طباعة الليرة، ووضع إدارة سليمة لما بقي من عملات أجنبية، إضافة إلى ضخّ دولارات في السوق من خلال صندوق النقد الدولي، وأيضاً تأمين جوّ من الثقة مترافق مع الإصلاحات. إلى ذلك يترتب التفاوض مع الصندوق وإعادة هيكلة القطاع المصرفي".
ضربة سيف في ماء
بدوره أعلن الخبير الإقتصادي ايلي يشوعي أن تعاميم مصرف لبنان هي مثل “ضربة السيف في الماء” كون الدولار لا يزال يحلق.
وأضاف في حديث إذاعي أن المركزي يحاول من خلال هذا التعميم أن يخفف الطلب على الدولار في السوق من خلال منحه للتجار مباشرة من المصرف، ما يحد من ارتفاع دولار السوق السوداء.
وأشار الى أن فعالية هذا التعميم محدودة ومؤقته لأن المركزي أصبح مؤسسة مشلولة بالكامل، وهو إذا كان لا يزال يتدخل بعد بالسوق فهو من أموال الناس المتبقية.