التنظيم الإرهابي كمؤسسة يعتبر أمرا مكلفا وتحقيق الفوائد هو هدف إنشاء شركات الأعمال في حين أن التنظيمات الإرهابية أقرب للمؤسسات الخيرية.
مما يحكى عن الكوارث الإدارية في مجال إدارة الأعمال هي الغفوة التي أخذها المدير التنفيذي لشركة كوداك سنة 1990 كاي ويتمور، كانت الغفوة أثناء اجتماع المدير التنفيذي مع شاب يدعى (بيل جيتس) الذي أراد العمل على طرح منتجات مشتركة بين شركته الفتية ويندوز وعملاق التصوير الرقمي كوداك، ليجد الإجابة في شخير السيد ويتمور الرافض للتقدم التكنولوجي حينها، ولم تلبث أن انهارت مبيعات شركة كوداك أثناء إدارة ويتمور حتى تم فصله من منصبه بعد ثلاث سنوات من حادثة "الغفوة" ليكمل بعدها ما شاء من شخير في منزله.
الخسارة في عالم الأعمال عادة ما تكون خسارة في القيمة السوقية للشركة وهبوط أسهم الشركة أو خسائر في الأرباح السنوية، ويترتب عليها طرد رؤسائها التنفيذيين أو تقليص مكافآتهم السنوية، وغير ذلك من العقوبات الإدارية التي تمس "جيب" هذا الرئيس أو ذاك، ولا تتوازى ضريبة فشل شركات الأعمال مع فشل المنظمات الإرهابية، حيث لا مجال للخطأ، فأي تسريب يكلف انهيار المنظمة، وأي "غفوة" تكون فاتورة صاحبها الموت.
التنظيم الإرهابي كمؤسسة يعتبر أمراً مُكلفاً، وتحصيل المال وتحقيق الفوائد هو "الهدف" من إنشاء شركات الأعمال، في حين أن التنظيمات الإرهابية أقرب في هذه الناحية إلى المؤسسات الخيرية، فالهدف الأساسي لها ليس تحقيق الربح - وإن ساهم الربح في تقوية موارد التنظيم – بل القتال من أجل قضية عادلة
في التنظيمات السرية والإرهابية هناك قادة بارعون ساهمت قراراتهم في استمرار تطور منظماتهم الإرهابية والعكس صحيح، فهناك من بينهم من اتخذ قرارات جرّت الويلات على هذه الجماعات. وبالنسبة للمدرسة المؤسسية لتحليل الإرهاب فهي تستند على إسقاط مفاهيم الإدارة على المنظمات الإرهابية بوصفها مؤسسة أعمال يمكن تحليلها من ذلك المنطلق، وتعد من المنهجيات الفاعلة والمبتكرة في رسم استراتيجيات مكافحة الإرهاب.
يتفق علماء الإدارة على أن المهارات الإدارية تنقسم إلى ثلاث مستويات: الإدراكية والإنسانية والفنية، وكلها تنطبق على المنظمات الإرهابية، فالمهارات الإدراكية أو الفكرية هي المسؤولة عن التحليل واستشراف المستقبل واتخاذ القرار، أما المهارات الإنسانية فهي القدرة على إدارة العلاقات الإنسانية كرفع مستوى الولاء المؤسسي وتحفيز منسوبي المنظمة، وأخيراً الفنية وهي المهارات والقدرات المتخصصة كالهندسة والطب وتقنية المعلومات، وفي وضع المنظمات الإرهابية فهي مهارات تصنيع القنابل والأحزمة الناسفة وغيرها.
ومن أهم القرارات الإدارية التي تؤرق قادة التنظيمات الإرهابية هو السيطرة على التكتيكات ودرجة العنف المستخدم، وقرارات التحكم بأعضاء التنظيم وقنوات التمويل، ومن العجيب أن أشد التنظيمات وحشية وقسوة كتنظيم داعش يُهمه أن لا يتجاوز عنفه وتطرفه درجة معينة! وقد نفذ إعدامات على منسوبيه بحكم الغلو والتطرف، مثل إعدامه لأحد قياداته المدعو أبي عمر الكويتي بتهمة الغلو!
ويحرص قادة التنظيمات المتطرفة على مراقبة أتباعهم من خلال تقارير تشبه تقييم الأداء السنوي للموظفين، وقد تم رصد نماذج لمثل هذه التقارير لمنتسبي داعش والقاعدة الإسلامية في العراق وحماس وحزب الله وغيرها من التنظيمات، والهدف من هذه السيطرة هو ضمان تنفيذ الأوامر الصادرة من قادة التنظيمات بالشكل الدقيق دون إسرافٍ أو تقليل، وضمان انضباط الأفراد والتزامهم بالقضية والتنبؤ بحالات الانشقاق والتسريب المحتمل للمعلومات الذي قد يتم من أحد الأتباع.
الهجمة الإرهابية اليوم لا تكلف كثيراً خصوصاً إذا ما راقبنا العمليات التي تنفذها الذئاب المنفردة، فيكفى للقيام بها وجود سلاح أبيض أو سيارة يمكن سرقتها للقيام بعمليات دهس، لكن التنظيم الإرهابي كمؤسسة يعتبر أمراً مُكلفاً، وتحصيل المال وتحقيق الفوائد هو "الهدف" من إنشاء شركات الأعمال، في حين أن التنظيمات الإرهابية أقرب في هذه الناحية إلى المؤسسات الخيرية، فالهدف الأساسي لها ليس تحقيق الربح - وإن ساهم الربح في تقوية موارد التنظيم– بل القتال من أجل قضية عادلة أو أيديولوجيا معينة، والاختبار هنا لقادة التنظيمات في كبحهم لجشع النفس البشرية الذي قد ينهي قصة الكفاح، وأشهر تلك القصص ما حكاه باومان القيادي في حركة الثاني من يونيو اليسارية التي نشطت في السبعينيات في ألمانيا الغربية، والتي تشتت بعد انفصال قياداتها نتيجة الاختلاف في حصصهم من غنائم نهب البنوك.
ومن القرارات الجنونية التي اتخذها قادة التنظيمات الإرهابية ما كان يفعله الإرهابي المرتزق أبو نضال في خلال عامين 1987 و1988 وبعد أن ينتهي من أعماله القذرة بعد منتصف الليل، يأمر بتنفيذ إعدامات لأبناء حركته المسلحة بتهمة الخيانة حتى قضى على ما يقارب من نصف رجاله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة