البشير أبعد الشك عن كونه عضوا من تيار الإخوان من خلال ممارسة التضليل الإعلامي على الشعب السوداني وباقي العالم، فحصل على التأييد.
بعد قراءة وفهم لتحليلات المراقبين والسياسيين حول سقوط نظام عمر البشير يمكننا الخروج باثنين من النتائج المهمة، البعض منهم تحدث عنهما صراحة وبكل شفافية، وآخرون اختاروا التلميح فيها عبر الإشارة إليها.
ففي حين تركز الفهم الأول، حول إخفاء البشير لهويته السياسية كونه قادما من المؤسسة العسكرية ومن السلاح الجوي تحديداً، الذي يزرع في المنتمين إليه حس الولاء للوطن، فقد تم اعتباره "منقذاً" للسودانيين، وأبعد الشك عن كونه عضوا من تيار الإخوان المسلمين من خلال ممارسة التضليل الإعلامي على الشعب السوداني وعلى باقي دول العالم، فحصل على التأييد والقبول.
والفهم الآخر والأكثر إثارة في عملية انقلاب عام 1989، أن مرشد نظام البشير الإخواني والمنظر السياسي له الدكتور حسن الترابي أو ما يعرف "بقرضاوي السودان" ذهب بإرادته الكاملة إلى السجن كي تكتمل مسرحية "الخديعة" السياسية بأنه لا علاقة له بالانقلاب، ولم يشك أحد في ذلك، بل أتقن الترابي دور السجين في الحبس وأوهم الباقين بأنه مثلهم "مظلوم"، ولكن تضارب الطموحات كشفت العلاقة بين الرئيس والمرشد، فذهب هذه المرة، الترابي، إلى السجن بشكل قسري.
من الواضح أن الثورة السودانية قد تفوقت عن غيرها بالسلمية ولا تزال، ولكن على الرغم من أنها تعكس الصورة النمطية لشعبها إلا أنها تعطي مؤشراً أقوى عن غيرها من البلدان على عدم قدرة "الإخوان" على خداعهم مرة أخرى فقد انكشفت الألاعيب والحيل
ما تم توضيحه في بداية المقال من فهم سياسي يختصر سياسة الإخوان المسلمين الحقيقية المتمثلة في الالتفاف على الشعب واختطاف نضالهم قبل أن يستأثر عليه غيرهم، وفي أن العلاقة بينهم تحكمها المصلحة السياسية، وأن اعتراضها يسوغ للأقوى التخلص من الآخر ولو كان رفيق دربه ومرشده، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، كما يقول ميكافيلي.
وهذا مؤشر مهم يقدم لنا فرصة كشعوب عربية أن نقيس الأمر على باقي الدول التي يحكمها أتباع نظام الإخوان أو يسعون إلى الوصل إلى السلطة، ولا سيما أنها ليست المرة الأولى التي يفعلها نظام "إخواني" بأتباعه وشعبه، حيث لدينا قصة أخرى مشابهة للرواية السودانية كان بطلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما تخلص من رفقائه الذين أوصلوه إلى الحكم، منهم عبدالله غول، الرئيس التركي السابق، وأحمد أوغلو وزير خارجيته والمنظر للنظام التركي الحالي، وهو ما يعني أن مثل هذه السلوكيات ليست متواترة في الممارسات السياسية للإخوان المسلمين، ولكن يبدو أنها ضمن عقيدتهم السياسية، وبالتالي علينا ألا نتفاجأ مستقبلاً إن حدثت قصص من هذا النوع منهم وعلى بعضهم أو مع الشعب.
المتوقع أن يذهب الدور التركي في ممارسة التخلي عن أتباعه بشكل أبعد مما يخطر على البال، كونه نظاما يطبق البراغماتية السياسية بشكل حقيقي. وبالتالي فإن الأمر بالنسبة له سيكون استثماراً سياسياً لتحقيق طموحاته، خاصة أن موازين القوى في المنطقة تحتاج إلى إعادة ترتيبات ستتطلب منها ستر العديد من "العورات السياسية" في المنطقة سواء كانت: مكافحة التطرف والإرهاب أو التقرب إلى نظم سياسية أخرى في المنطقة، وقد أعطى أردوغان مؤشرا في ذلك قديما عندما سلم أحد المطلوبين للقضاء المصري وتخلى عن نظام بشار الأسد لأن طموحاته السياسية تتعدى الأخلاقيات السياسية والوطنية، فهذا مبدأ الإخوان في أي مكان في العالم.
في كل حدث جديد له علاقة بتيارات الإسلام السياسي ينكشف أمر يؤكد أنهم "مخادعون" ولا يمكن أن يصدقهم أحد، وأن مرحلة الركود الحالية هي فقط من أجل كسب الوقت والإيهام بدفاعهم عن حقوق الإنسان والمواطنين في دول عربية، ولكن في الحقيقة لا تهمهم إلا مصالح الجماعة، أما بقية المجتمع فهناك مقولة شهيرة لمرشدهم في مصر في العام 2006 مهدي عاكف يؤكد فيها عدم اهتمامه بالشعب، وأن الأولوية هي للجماعة.
في الختام، من الواضح أن الثورة السودانية قد تفوقت عن غيرها بالسلمية ولا تزال، ولكن على الرغم من أنها تعكس الصورة النمطية لشعبها إلا أنها تعطي مؤشراً أقوى من غيرها من البلدان بعدم قدرة "الإخوان" على خداعهم مرة أخرى فقد انكشفت الألاعيب والحيل، لذا فهم يصرون على اجتثاث النظام بأكمله، لأنهم في نهاية المطاف سرطان سريع التفشي والتغلغل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة