الهجوم على البشير بهذه القسوة خصوصا من قيادات وأدوات تنظيم الإخوان الهاربين من مصر يستبطن حالة معقدة من الغدر والخيانة لديهم.
يحاول تنظيم الإخوان الفاشل عبر أذرعه الموجودة في قطر وتركيا أن يجعل من الرئيس السوداني السابق عمر البشير كبش فداء لتبييض وجه الجماعة، وتحقيق عملية هروب كبيرة من تحمل مسؤولية فشل دولة التمكين في السودان، تلك الدولة التي سوق لها تنظيم الإخوان عبر أكثر من عقدين من الزمان على أنها التجربة الأولى لتحقيق تمكين تنظيم الإخوان من حكم دولة بحجم وأهمية السودان.
لابد من وضع الأمور في نصابها وعدم الانسياق وراء دعاية تنظيم الإخوان الفاشل، والتعامل مع الموقف في السودان على أنه اقتلاع نظام البشير؛ لأن الحقيقة أن الذي تم اقتلاعه هو دولة التمكين التي أسسها تنظيم الإخوان، وتحولت إلى أفشل وأفسد نظام للحكم في تاريخ العرب والمسلمين
إن الهجوم على الرئيس البشير بهذه القسوة خصوصا من قيادات وأدوات تنظيم الإخوان الهاربين من مصر يستبطن حالة معقدة من الغدر والخيانة والبراءة من الأخلاق؛ لأن نظام البشير هو الذي ضحى بكل تاريخ وعمق العلاقة مع الدولة المصرية؛ ووقف مع الإخوان منذ 25 يناير 2011 حتى سقوطه، فعمليات تهريب الإرهابيين من مصر وإليها تمت من الحدود الجنوبية؛ تحت سمع وبصر وبمساعدة نظام البشير، ومعظم الموجودين في تركيا وقطر من إخوان مصر خرجوا هروبا عبر الحدود مع السودان، وبدعم ومساندة من نظام البشير.. وعلى الرغم من أن نظام البشير كان له الفضل في إنقاذ حياتهم من أحكام الإعدام أو السجن؛ فإنهم صبوا جام غضبهم وسخطهم على نظام البشير، كل ذلك من أجل تبييض وجه التنظيم الفاشل، وصناعة كبش فداء كبير يُضحى به على مذبح الجماعة وقيادتها، فلا ينسب الفشل في السودان إلى تنظيم الإخوان، وإنما لنظام البشير. وهذا الموقف من قيادات وأدوات تنظيم الإخوان الفاشل يعبر عن أعلى درجات الغدر والنذالة والخيانة والطعن في الظهر لمن قدم لهم المعروف وساعدهم بكل ما يملك من قوة، ووضع من أجلهم مصالح دولته على المحك مع الشقيقة مصر.
الشعب السوداني اقتلع دولة تنظيم الإخوان وليس نظام البشير، الرئيس البشير كان واجهة لدولة التنظيم، فمنذ انقلاب 1989 الذي أطلق عليه تنظيم الإخوان الفاشل ثورة الإنقاذ، والسودان يحكمه تنظيم الإخوان في نسخته الثورية التي صنعها الدكتور حسن الترابي رحمة الله عليه، وكل ما تم بعد ذلك كان تطبيقا لنظرية الحكم عن الإخوان، وتنفيذا كاملا لرؤية الإخوان، فقد تمت أخونة الدولة منذ اليوم الأول لانقلاب 1989، وهيمن التنظيم على كل مفاصل الدولة حتى الجيش والقوى الأمنية، وأذكر أنني حضرت احتفالات العيد الأول لثورة الإنقاذ في أغسطس 1990، وحينها ذهب الضيوف لزيارة معسكر القطينة لقوات الدفاع الشعبي التي كانت تحارب في جنوب السودان، واستقبلَنا عقيد من الجيش الوطني السوداني، كان معه ملازم أول من أتباع التنظيم، وكانت المفاجأة أن العقيد لا يتكلم إلا بإشارة من الملازم الأول الذي يفترض أن يقف (انتباه) في حضرة قائده.
وبعد ذلك تم احتكار قيادة الجيش والشرطة والأمن للكيزان، أتباع التنظيم، فأصبح الالتحاق بهذه الكليات مقصورا على الكيزان، والكوز أو السطل في لغة بعض مناطق مصر يطلق على أتباع تنظيم الإخوان، فقد وصف الدكتور حسن الترابي علاقة تنظيم الإخوان بالإسلام فقال: الدين بحر ونحن كيزانه، أي أنهم هم الوسيلة الوحيدة التي يرتوي بها البشر من الدين، وهو الطريق الوحيد للدين، هذه الرؤية جعلت الكيزان يحتكرون الدين ثم الدنيا، فبدلا من أن يغرفوا من الدين ليرتوي من أيدهم الناس العطشى للروحانيات، أخذوا يغرفون من الدولة والمال العام فجاع أهل السودان الغني، وعطشوا وهم نبع الماء والخير لغيرهم. منذ انقلاب 1989 ونظام دولة التمكين في السودان يدعي لنفسه تمثيل الإسلام وقيادة الإسلام في العالم، فقد أنشأ الدكتور الترابي المؤتمر الشعبي الإسلامي ليكون بديلا عن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في حينها، وجمع ممثلين عن الدول والمجتمعات المسلمة، ووضع نفسه في موقع القيادة للعالم الإسلامي، وفتح هذا النظام أبواب السودان لأتباع تنظيم الإخوان من كل أنحاء العالم، خصوصا من الدول التي تعاملهم بما يستحقون. كذلك تمت صياغة العلاقات الخارجية للسودان طبقا لرؤية تنظيم الإخوان الفاشل ابتداء من تمكين إيران من موقع في البحر الأحمر إلى تمكين تركيا من حدود جزيرة سواكن، والانخراط في الحرب الأهلية في ليبيا لدعم تنظيم الإخوان هناك... إلخ.
منذ 1989 حتى 2019 والذي يحكم السودان هو تنظيم الإخوان، وكل القيادات من تنظيم الإخوان، والذين نهبوا ثروات السودان هم أفراد تنظيم الإخوان، والذين قسموا السودان وتنازلوا عن نصفه هم قيادات تنظيم الإخوان، والذين أشعلوا حروبا أهلية في شرق السودان وغربه وجنوبه هم رموز تنظيم الإخوان. لذلك لابد من وضع الأمور في نصابها وعدم الانسياق وراء دعاية تنظيم الإخوان الفاشل، والتعامل مع الموقف في السودان على أنه اقتلاع نظام البشير؛ لأن الحقيقة أن الذي تم اقتلاعه هو دولة التمكين التي أسسها تنظيم الإخوان، وتحولت إلى أفشل وأفسد نظام للحكم في تاريخ العرب والمسلمين؛ فقد أضاعوا نصف إقليم الدولة وفككوا الباقي، ونهبوا الثروات، وحولوا أغنى دولة في إفريقيا إلى حالة من الفقر يحتاج شعبها للإعانات.
نقلا عن “الأهرام”
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة