يتجه العالم العربي مع عام 2021 إلى مرحلة جديدة في إطار علاقاته الإقليمية والدولية.
وفي ظل توقع بتغييرات حقيقية في بنية النظام الإقليمي نتيجة للتطورات التي جرت طوال العام المنصرم، خاصة أن اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية ستغير في ترتيب الأولويات والحسابات، بل والتقييمات لأغلب دول العالم العربي في ظل استمرار التهديدات الإقليمية والممثلة في الجانبين التركي والإيراني، وفي ظل استمرار مخطط الطرفين للوجود في العواصم العربية مع طرح رؤية ومقاربة حقيقية في التناول السياسي والاستراتيجي، وفي ظل ما يجري، حيث تسعى إيران لتأكيد حضورها الاستراتيجي في انتظار الرئيس الأمريكي الجديد، لكي يبدأ مسارا سياسيا مرتبطا بالأساس بالاتفاق النووي، وما سيرتبط به من مفاوضات عديدة ومتداخلة مع الجانبين الأوروبي والروسي، وهو ما يجب الانتباه إليه أن إيران ستظل المهدد الأكبر لأمن الإقليم بتصميمها على مشروعها الإقليمي وتهديدها للاستقرار القائم، وبالتالي، فإنه ومع العام الجديد ليس متوقعا أن تكف إيران عن تدخلاتها، وستكون لأي اتفاق مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية تبعات استراتيجية حقيقية، والتي يجب ألا تكون على حساب أي طرف، ومن المتوقع أيضا أن يستمر التدخل التركي في ليبيا، ولن يتراجع في ظل المخطط الشيطاني لتحويل ليبيا إلى ولاية تركية.
وقد برز ذلك في تدشين الحضور التركي الأمني والاستراتيجي بصورة لافتة مع زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، وقادة الجيش التركي لليبيا، وإن كانت زيارة الوفد السياسي المصري لغرب ليبيا - في المقابل - ما يؤكد على تغييرات هيكلية ستتم في الشأن الليبي في بدايات 2021، وترتبط بالعمل على حل المسألة الليبية في ظل ما رسمته مصر من خط أحمر (سرت/الجفرة)، كما أنه من المتوقع أن تتصاعد أدوار فرنسا وروسيا في الفترة المقبلة في ليبيا وفي شرق المتوسط، ما يشير وبعمق إلى أن الحالة العامة في الشرق الأوسط لن تستقر، خاصة أن الصراع على الغاز وإعادة ترسيم العلاقات بين دول الإقليم سيأخذان بعض الوقت، وفي ظل توقعات بحسم ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على بلوك 9، ومسعى إسرائيل لترسيم حدودها البحرية مع مصر، وفي المجمل ستستمر السياسة التركية تبحث لها عن موضع قدم في إطار منتدى غاز شرق المتوسط، أو المنظمة الإقليمية للغاز. والمتوقع أن تلتحق كل من فرنسا والولايات المتحدة بالمنتدى كمراقبين بعد أن دخلت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا.
ستظل المسالة السورية تراوح موقعها، خاصة مع التوقع باستمرار ملاحقة الجانب الإسرائيلي للوجود الإيراني، ومن ثم فإن الضربات ستُكثف بهدف تحجيم التمدد التركي، كما سيستمر الضغط الأمريكي في إطار استمرار تفعيل العقوبات، وتفعيل قانون قيصر وملاحقة العديد من المسؤولين السوريين، وسيظل لبنان في حالة من عدم الاستقرار، حيث لا تلوح في الأفق فرص التقارب السياسي وبناء استحقاق قابل للتنفيذ في ظل استمرار صراع الرئاسات الثلاث، وهو ما يؤكد أن هناك رابحين من المشهد الحالي. في المغرب العربي يأتي توقيع اتفاق السلام المغربي الإسرائيلي مؤخرا، الأمر الذي سيرتب مناخا جديدا في المنطقة المغاربية وسيتطلب دورا حقيقيا للمغرب بالتنسيق مع إسرائيل، وبدعم أمريكي كبير، وفي ظل توقيع اتفاقيات السلام مع إسرائيل والدخول في مشروعات اقتصادية وتجارية وسياحية جديدة بما سيغير من بيئة النظام الإقليمي الراهن لنظام أوسع، لن يكون مقتصرا على الدول العربية لنظام شرق أوسطي جديد بما سيتطلب إعادة ترتيب الأولويات العربية الرئيسية.
وفي مقابل ما يجري، من الضروري الانتباه إلى أن بعض الدول في المنطقة مثل إسرائيل ستواجه عام 2021 وهي في حالة عدم استقرار نتيجة الاتجاه إلى حل الكنيست، وإجراء انتخابات جديدة في مارس المقبل، وهو ما يؤكد أن الوضع العام في إسرائيل سيتجه إلى مزيد التعثر على الأقل في الأشهر الـ6 المقبلة، وحتى الاتفاق على شكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وتحديد مهامها التي ستعمل عليها، خاصة أن القوى السياسية الراهنة اليمين واليمين المتشدد ستزايد على خطوة الاستمرار في المشهد الراهن، وفرض خياراتها، والتي أدت إلى الصدام بين تحالف "ليكود"، وتحالف "أزرق أبيض" بشأن تمرير الموازنة العامة وقضايا أخرى متعلقة بإدارة التعامل مع الأولويات المطروحة، وهو ما سينعكس على مسارات تحركها إقليميا.
وفلسطينيا، ستتجه القضية الفلسطينية لمسارات جديدة في الفترة المقبلة، لكن لن تحدث تطورات مفصلية حقيقية، انتظارا لما سوف تسفر عنه التحركات الفلسطينية الحالية، والتي تدور في إطار من الدعوة الفلسطينية لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط لإعادة تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية، إضافة لاحتمالات إقدام الإدارة الأمريكية على تقديم مشروع تسوية جديد، ولكن يكون ذلك قبل عدة أشهر من ٤ - ٥ أشهر في التقدير العام لانشغال الإدارة الأمريكية بأولويات الداخل، كما لن تتم أي إجراءات تنفيذية لإتمام المصالحة، وليس مستبعدا أن تتجه حركة حماس لسياسة إطلاق الصواريخ من القطاع، ومحاولة تأكيد حضورها في المشهد السياسي كطرف رئيسي في المشهد الفلسطيني، ومن المتوقع أن تلقي اتفاقيات السلام بين الدول العربية وإسرائيل بتداعياتها على التعاملات الإسرائيلية الفلسطينية.
هذه هي الصورة العامة للإقليم بدايات 2021، وهو ما يتطلب تنسيقا عربيا حقيقيا في إطار مواجهة ما يجري في الإقليم من متغيرات حقيقية ستلقي بآثارها على الخيارات العربية الإقليمية والدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة