ضجة إعلامية أم خطر حقيقي.. ماذا نعرف عن «الإنفلونزا الخارقة»؟
أثارت سلالة فرعية جديدة من الإنفلونزا الموسمية "أتش ثري إن 2 "، تُعرف باسم السلالة "كيه"، اهتمام العلماء والجهات الصحية حول العالم.
وأصبحت هذه السلالة الشكل السائد للإنفلونزا في عدد من الدول، من بينها المملكة المتحدة واليابان وأجزاء من أوروبا، وظهرت في وقت تزامن مع بداية مبكرة وغير معتادة لموسم الإنفلونزا في بعض البلدان، إضافة إلى احتوائها على طفرات جينية تختلف عن السلالة المستخدمة في لقاح هذا العام، ما دفع بعض وسائل الإعلام إلى وصفها بـ"الإنفلونزا الخارقة"، إلا أن خبراء يؤكدون أن هذه التسمية غير علمية ولا تعكس الواقع بدقة.

ما هي السلالة "كيه"؟
السلالة "كيه" هي فرع حديث الظهور من فيروس الإنفلونزا "إيه" من النوع" أتش ثري إن 2 "، وهو فيروس موسمي معروف ومتداول منذ عقود.
ورصد العلماء السلالة الجديدة لأول مرة في يونيو الماضي، قبل أن يلاحظوا انتشارها السريع خلال موسم الإنفلونزا في نصف الكرة الجنوبي، ثم في عدد من دول النصف الشمالي.
وتقول البروفيسورة نيكولا لويس، مديرة المركز العالمي للإنفلونزا في معهد فرانسيس كريك بلندن في تقرير نشره موقع التحالف العالمي للقاحات والتحصين "جافي" إن "ظهور مجموعات جينية جديدة من فيروسات الإنفلونزا أمر متوقع"، موضحة أن الفيروس "يتطور باستمرار"، ولا توجد حتى الآن مؤشرات على أن سلوك هذه السلالة غير معتاد أو أكثر خطورة من غيرها.

موسم مبكر.. ولكن ليس أخطر بالضرورة
وفي أوروبا، سُجلت السلالة "كيه" لأول مرة في النرويج، ثم في المملكة المتحدة، حيث بدأ موسم الإنفلونزا قبل موعده المعتاد بنحو 4 إلى 5 أسابيع.
ورغم أن هذا التوقيت المبكر لم يُلاحظ منذ ما قبل جائحة كوفيد-19، فإن خبراء يؤكدون أنه ليس أمراً غير مسبوق تاريخياً.
وشُوهد نمط مشابه في اليابان، حيث بدأت معدلات الإصابة بالاستقرار وربما التراجع، بينما تشير بيانات حديثة في المملكة المتحدة إلى انخفاض تدريجي في معدلات الإصابة، رغم الضغوط التي تواجهها المستشفيات.
في المقابل، لم تبدأ موجة الإنفلونزا مبكراً في جميع الدول. ففي بعض دول الاتحاد الأوروبي، بدأ النشاط الفيروسي في الارتفاع مؤخراً فقط، مع استمرار تداول سلالات أخرى مثل "إتش 1 إن 1".
أما في الولايات المتحدة، فقد تسارعت الإصابات بعد عطلة عيد الشكر وعودة المدارس، حيث سجلت السلطات الصحية ملايين الإصابات وآلاف حالات الدخول إلى المستشفيات، وكانت الغالبية من نوع "أتش ثري إن 2"، مع هيمنة متزايدة للسلالة "كيه".

هل تتجاوز السلالة "كيه" المناعة أو اللقاحات؟
أحد أبرز المخاوف المرتبطة بظهور سلالات جديدة هو قدرتها على الإفلات من المناعة المكتسبة سابقاً عبر الإصابة أو التطعيم. إلا أن الدراسات المعملية والسكانية المتاحة حتى الآن تشير إلى أن هذا السيناريو لم يتحقق.
وتوضح لويس أن النتائج الأولية تُظهر أن الجهاز المناعي لا يزال قادراً على التعرف على السلالة "كيه"، وأن الأشخاص المطعمين يولدون استجابات مناعية جيدة ضدها، ما يعني استمرار وجود حماية فعالة.
فاعلية اللقاح لا تزال قائمة
وتشير تقديرات مبكرة نُشرت في دورية "يوروسيرفيلانس" إلى أن لقاح الإنفلونزا الحالي يوفر حماية ملموسة ضد الحالات الشديدة التي تتطلب رعاية طبية، بما في ذلك الإصابات الناتجة عن السلالة "كيه"، وتصل فعالية اللقاح إلى نحو 72–75% لدى الأطفال والمراهقين، ونحو 32–39% لدى البالغين، وهي نسب مماثلة لمواسم سابقة.
ويؤكد الباحثون أن هذه الأرقام لا تعني فشل اللقاح، بل تعكس النمط المعتاد لفعاليته ضد فيروسات "أتش ثري إن 2 ".
الخطر الحقيقي: ضعف الإقبال على التطعيم
ويرى الخبراء أن التحدي الأكبر لا يكمن في السلالة الجديدة نفسها، بل في انخفاض معدلات التطعيم، خاصة بين البالغين المعرضين للخطر والعاملين في القطاع الصحي.
ويشير مختصون إلى أن رفع نسب التطعيم يمكن أن يقلل بشكل كبير من انتقال العدوى، وحالات الدخول إلى المستشفيات، والضغط على الأنظمة الصحية.

ليست "إنفلونزا خارقة".. لكنها ليست بسيطة
ويشدد العلماء على أن وصف السلالة "كيه" بـ"الإنفلونزا الخارقة" غير دقيق، إذ لا توجد أدلة على أنها أكثر شراسة من غيرها.
وفي الوقت نفسه، يحذرون من التقليل من شأن الإنفلونزا الموسمية، التي تتسبب سنوياً في ملايين الحالات الشديدة ومئات الآلاف من الوفيات حول العالم.
وتُعد مواسم الإنفلونزا التي يهيمن عليها فيروس "أتش ثري إن 2 "، أكثر صعوبة، خاصة على كبار السن، إذ ترتبط بمعدلات أعلى من الدخول إلى المستشفيات وفترات إقامة أطول.

رسائل وقائية واضحة
وتواصل الجهات الصحية التأكيد على أهمية الإجراءات الوقائية، مثل التطعيم، وغسل اليدين، وتحسين التهوية في الأماكن المغلقة، وتقليل المخالطة عند ظهور الأعراض. كما يُنصح من يعانون من الحمى أو السعال أو الإرهاق بتجنب الاختلاط، خاصة مع الفئات الأكثر عرضة للخطر.
ويخلص الخبراء إلى أن التعامل الهادئ والعلمي مع السلالة "كيه"، بعيداً عن المصطلحات المثيرة، هو السبيل الأفضل للحد من آثار موسم الإنفلونزا الحالي.