سياسة
خبراء: خلافات القوى السياسية تطيل أزمة السودان
اعتبر خبراء سودانيون، أنه من الصعب تحقيق تسوية ببلادهم في ظل الانقسام والخلافات الحادة بين القوى السياسية، ما يطيل أمد الأزمة.
يأتي ذلك مع تحذيرات أممية بضرورة التوصل إلى تسوية سياسية عاجلة في السودان، نظراً للخطر المحدق بالبلاد إزاء تأخر معالجة الصراع الحالي.
ناقوس الخطر الذي يجابه السودان، دق جرسه رئيس بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم "يونيتامس" خلال إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء، إذ أكد أن "الوقت محدود" أمام السودانيين للوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة، وأن كل شيء في البلاد بات على المحك.
ومنذ القرارات الاستثنائية التي اتخذها قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، انقسمت القوى السياسية بشكل حاد إلى تيارين، أحدهما يرفض مبدأ الحوار مع المكون العسكري ويطالب بضرورة إبعاده تماماً عن الحياة السياسية في البلاد، بينما يرى الثاني أن تعقيدات الأزمة السودانية الآنية لن تحل إلا بالحوار مع جميع المكونات بمن فيهم العسكريون.
وإزاء هذه المواقف المتباينة من الأزمة السياسية نشط من سماهم محللين سياسيين بـ "الراديكاليين" في إطلاق صفة "التخوين" ضد كل من آثر الاستجابة لنداء الحوار.
وانعكس هذه الانقسامات بشكل سلبي على العملية السياسية التي تقودها آلية ثلاثية مكونة من الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد، وبعثة الأمم المتحدة بالخرطوم يونيتامس، والتي اضطرت لبدء محادثات غير مباشرة بعد أن فشلت في جمع الفرقاء السودانيين على طاولة واحدة نتيجة هذه المواقف.
تخوين سياسي
ويشير القيادي بقوى الحرية والتغيير، عبد المطلب الختيم، إلى أن "هنالك حالة تغمس الطهرانية وادعاء الاستقامة الأخلاقية، تسود بين من يطلقون عليهم قوى "الهبوط الناعم" وقوى التغيير الحاد، مما جعل حالة التخوين والتشكيك تسود المشهد بين قوى يفترض أنها متوافقة على قيم الولاء لشعارات الثورة المركزية ممثلة في "السلام والحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد وإزالة اثار النظام الشمولي وتوطين أركان الحكم الرشيد."
وقال الختيم في خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" أنه "كان من الممكن هندسة المشهد السياسي بخطاب سياسي فكري مؤسس على قيم القبول بالآخر واحترام الاختلاف، ولكن عوضا عن ذلك سيطرة حالة التخوين السياسي والتأثيم الأخلاقي وهي ذات الأدوات التي كان تستخدمها الأنظمة الشمولية في مواجهة الخصوم".
ووصف الواقع السياسي الحالي بالسودان، قائلا:"مناخ ملوث بالفوضى، تسيطر عليه لغة التخوين مع فقدان الساحة للقادة الذين يتوفر لهم العزم وقدرة ترجيح المكاسب الاستراتيجية على الخسائر الآنية"، بحسب وصفه.
أما المحلل السياسي الدكتور محي الدين محمد، فيرى أن "النزوع نحو تغليب روح التنافس الفردي على حساب المصالح الكلية العليا يقود لإطالة الأزمة في البلاد".
خطاب الكراهية
وأكد في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن المكونات المشاركة في المشهد السياسي الحالي رفعت وتيرة خطاب الكراهية والتباغض داخلها، مع رفع سقف المطالب لمستوى يدرك الساسة صعوبة تحقيقه وبالتالي يتورطون في مواجهة بينهم وبين مطالب الشارع التي جعلوها مواقف استراتيجية لا يمكن التنازل عنها، وهو ما جعل أي خطوة يخطونها في حقل الفعل السياسي قابلة للانتقاد من شركائهم في إطار التنافس وكذلك سببا للمزايدة بالوطنية مع القواعد".
وتوقع أن يطول أمد الأزمة الحالية لأن الجميع يتخفى خلف مطالب الشارع التي في معظمها عاطفية النزعة وغير واقعية في ميزان السياسة وتحركها مجموعات تعمل على ابتزاز الأحزاب والساسة بتلويح عصا الخذلان في وجه من يريد المضي في اتجاه اي فعل سياسي رشيد".
وأضاف محي الدين، قائلا: "ما لم يتحرك الساسة وأحزابهم لتولي قيادة الجماهير ومواجهتهم بحقيقة الصراع السياسي وأدواته والتي على رأسها الحوار والمدافعة بالحسنى وما تقتضيه من تقديم تنازلات فلن تتحقق تسوية سياسية تحقن الدماء وتوفر فرصة لتحصين الانتقال وتقوية المسار الديمقراطي في اتجاهه نحو تحول حقيقي بأدوات الديمقراطية المجربة".
المزايدة
ونشطت خلال الأيام الماضية الآلية الثلاثية المكونة من "الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيجاد" في وساطتها بين الأطراف السودانية، في محاولة لإيجاد حل متوافق عليه بين الجميع، يعيد البلاد إلى مسار الانتقال الذي تعطل منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بعد إعلان الجيش حالة الطوارئ وحل حكومة حمدوك المدنية.
ويقول المحلل السياسي محمد عبد العزيز، إن الأولوية القصوى أمام القوى الثورية هي استعادة السلطة المدنية وتأمين مسار الانتقال، وهو هدف يتفق الجميع حوله لكنهم يختلفون في التكتيكات، ما يجعل بالضرورة توحيد جبهة المقاومة لتحقيق الهدف.
وأشار في حديثه لـ "العين الإخبارية" إلى أن "واحدة من أسباب تأخر اتحاد القوى السياسية هو تنامي خطابات التخوين القائمة على المزايدة التي ليست لها حدود ويمكن أن تطال أولياء أمور الشهداء".
وأرجع الأزمة إلى أمرين:" إما لعدم إدراك جيد لعملية الانتقال وتحدياتها وشروطها، أو أنها مزايدة مصنوعة من قبل مجموعات تسعى لتخريب الانتقال ولذلك تتبنى أجندة متطرفة".