لا شك أن ما حدث لجورج فلويد تعامل قاس جداً وعنصري، وهناك عشرات المواقف تاريخياً أثبتت عنصرية هذه المجتمعات
منذ صرخة جورج فلويد التي ردد فيها "لا يستطيع التنفس" بعدما جثم شرطي أبيض على عنقه، والشارع الأمريكي يعيش ردة فعل مأساوية عكست حقيقة أوضاع الأمريكيين أصحاب البشرة السمراء، وعبرت في زواياها عن الحرمان والرفض لسياسات الأجهزة الأمنية في التعامل معهم.
ولكن بعد رصد التجاوزات التي صاحبت ردة الفعل تلك، هل نستطيع أن نستمر في تسمية ما يحدث بالمظاهرات؟ ونحن نرى أن هناك أصوات أعيرة نارية وتحطيم للمرافق العامة أكثر من صرخات التنديد، إذن علينا أن نرى الصورة الواسعة للأزمة وأن نبحث عن سبب تغير مسار المظاهرات ومن صاحب المصلحة من ذلك التصعيد، لأنه لا يمكن أن يتخيل عاقل أن عنصرية موقف تجعل من الشارع الأمريكي يظهر بهذه الصورة.
لا شك أن ما حدث لجورج فلويد تعامل قاس جداً وعنصري، وهناك عشرات المواقف تاريخياً أثبتت عنصرية هذه المجتمعات، ولكن السؤال الذي يستحق أن نبحثه: هل نحن أمام حراك حقيقي يتناسب وحادثة فلويد؟ أم نحن أمام استغلال موقف؟ وإن كان استغلال، ما هي انعكاسات ذلك؟
المتابع لمسار الأزمة يدرك أن سوء إدارة ترامب للموقف ساعد في تعزيز توتر الشارع الأمريكي، والذي كان من الممكن أن ألا يصل إلى هذا الحد، خاصة وأن الظروف المحيطة لا تحتمل أي خطأ يضاعف من ضغط الشارع، فأزمة كورونا وسوء إدارتها وتداعياتها أثرها قاس جداً على المجتمع، كل تلك المعطيات أعطت أطرافا أخرى منها أحزاب ومنظمات لا تعير لملف العنصرية أي اهتمام، فرصة لاستغلال الموقف واللعب على الوتر العرقي والعنصري لتغذية التوتر لمحاولة استغلال أي فجوة تخلقها الساحة للاستفادة منها بأية وسيلة، إما لتحقيق انتصار أو لتصفية حسابات سياسية.
في النهاية إن الصورة التي أمامنا هي استغلال بشع للبشرة السمراء وإهانة حقيقية للإنسانية.
لا يوجد إنسان ولد يكره الآخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه، المجتمعات تعلمت خطاب الكراهية من القوى المؤثرة المتصارعة التي تقودها، قوى لا تهتم إلا بتحقيق مصالحها، الأمر الذي يجعلها تقتنص الفرص لتستغل ظروف المجتمع بما بتناسب وأهدافها، ما يجعلها أحيانا تبحث عن الفرصة في موقف مثل عنصرية فلويد فتعمل على شحن الوضع النفسي للأفراد وتجعله أكثر اضطراباً وغير مستقر لتحقيق مصالحها، فكلما ازداد تأثير الدعاية الممنهجة عجز رجل الشارع العادي عن التمييز بين الحقيقة والاستغلال.
ما الذي يحدث؟!
ترامب يصر على إثبات قوة شخصيته الحادة وتصريحاته القاسية، والديموقراطيون يرونها فرصة لضرب منافسهم الرئاسي في عين الناخبين، والإعلام يراها فرصة للانتقام من ترامب بعد أن أصبحت الخصومة بينهم مزمنة، كل ذلك لتحقيق أهداف خاصة غير مبالين بما قد يخلفه هذا الصراع من تداعيات فكر سيتطرف وسيخلق أنماطاً من العقول المتعصبة المليئة بالكراهية والحقد، وثقافة سلوك ستخرج الفرد عن الصورة الحقيقية وسينتج عنه عنصرية أكبر وأخطر من التي خنقت جورج فلويد، فما يحدث ممكن أن يعيد إحياء العنصرية بصورتها البشعة.
"تنتهي العنصرية عندما نتوقف عن الحديث عنها"
في النهاية إن الصورة التي أمامنا هي استغلال بشع للبشرة السمراء وإهانة حقيقية للإنسانية، تعكس أهمية الوتر العنصري كأداة مهمة يحرص البعض على استمرارها للاستثمار بها متى ما دعت الحاجة لذلك، فالعنصرية تُحاك على نول الأيديولوجيا بخبث، قبل أن تُلبس لأصحاب النفوس المضطربة والوعي الضعيف، لذلك علينا أن نعي أن الإنسانية لا تحتاج لونا ولا عرقا ولا جنسا، وأن الاعتراف بهذه الحقيقة هو الترياق الأمثل لمرض العنصرية وحينها يجب أن نُوقِفَ الحديث عن العنصرية لتتوقف المتاجرة بها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة