"خريف الغضب".. متطرفون يخططون لاستغلال الأزمة الاقتصادية بألمانيا
للوهلة الأولى، بدا اليوم كيوم سيئ آخر للمستشار الألماني أولاف شولتز، الذي سافر إلى نويروبين، وهي بلدة صغيرة تبعد 40 ميلا من برلين.
وكانت الرحلة التي جرت قبل أسبوع، تهدف لإلقاء خطاب روتيني بين مجموعة من الألمان عددهم حوالي 300 شخص.
وبدلًا من ذلك، بحسب صحيفة "التايمز" البريطانية، وجد شولتز نفسه غارقا في ضجيج الاستهجان والسخرية من 300 متظاهر تجمعوا أمام الطوق حول الميدان، مرددين: "كاذب"، و"خائن الشعب".
ورغم ذلك، بدا الأمر طبيعيا بالنسبة للساسة والمواطنين، لكن لم يكن كذلك بالنسبة لأجهزة الأمن.
إذ كانت هناك مؤشرات تحذيرية أكثر خطورة، فلم يكن بين الساخرين حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي فحسب، وهو دائم الحضور لمثل تلك الأحداث، بل أيضا مجموعة غريبة من الجماعات المارقة، التي تتراوح ما بين يساريين متطرفين إلى مجموعة النازيين الجدد "كومبات 18" المنتمية لليمين المتطرف.
وكان هذا الالتقاء الغريب للمظالم من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، هو الذي وضع السلطات الألمانية في حالة تأهب قصوى لـ"خريف الغضب".
وقال مسؤولو استخبارات لصحيفة "التايمز" إن البلاد تواجه شهورا من الاضطرابات في عاصفة متكاملة من الاضطرابات الاقتصادية، وارتفاع أسعار الطاقة، والقلاقل الجيوسياسية، والاتجاهات الكارثية في الرأي العام.
وأعرب مسؤولو الاستخبارات، الذين تحدثت معهم الصحيفة، عن قلقهم من أن المتطرفين والثوار المحتملين سيحاولون توحيد قوى المعارضة المتباينة وحشدهم في انتفاضة واسعة ضد النظام الديمقراطي، خاصة في ألمانيا الشرقية.
ووصف ستيفان كرامر، رئيس مكتب ولاية تورينجيان في الفرع الشرقي لجهاز المخابرات المحلية الألماني، الأجواء بـ"المتفجرة"، قائلا: "بالوقت الراهن لدينا مجموعة خاصة جدا من القوات هذا الخريف. لدينا سكان متوترون للغاية بعد الجائحة. والقدرة على الصمود زحماية نفسك ضد الأزمات آخذة في الضعف."
وأضاف: "نتحدث عن أشخاص (يعيشون) في شقق باردة في الشتاء. نتحدث عن إفلاس الشركات لأن لم يعد لديهم ما يكفي من الطاقة، مما يؤدي إلى البطالة والإغلاق.. نتحدث عن التضخم، الذي يضرب عدد ضخم من الناس وصولا إلى الطبقات المتوسطة.. هذه مشكلة كبيرة".
وقال كرامر إن عوامل مثل الحرب في أوكرانيا، وخطر التدفقات الأكبر للمهاجرين مدفوعة بالمجاعات في الجنوب العالمي، وبعض "السيناريوهات المرعبة" الأكثر قتامة المتعلقة بالمناخ كانت تغذي مزيجا قابلا للاشتعال قدم هدية إلى المتطرفين.
وأشار إلى أن كل تلك العوامل جعلت الناس تشعر بعدم أمان كبير، وفي بعض الحالات يخشون على وجودهم ذاته، مضيفا: "الأمر ليس أنهم مستاءون أو غاضبون فحسب -وهذا كله مشروع- لكنهم أيضا فريسة للمتطرفين الذين قد يقدمون إليهم أجوبة ليست حقيقية في النهاية، لكن لتحريضهم على التطرف".
اليمين المتطرف
وأكثر ما يقلق كرامر وزملاؤه في الولايات الأخرى هو اليمين المتطرف، الذي حدد قادته المفكرون صراحة هذه اللحظة بأنها وقت الهجوم. وحث جوتز كوبيتشيك، الكاتب المؤثر ومؤسس معهد "ستيت بوليسي"، وهو مؤسسة فكرية تصنف رسميا على أنها متطرفة، أنصاره على إحداث "خريف ساخن" من التمرد.
وعبر الشبكات الاجتماعية وفي مجموعات الدردشة الخاصة، رصدت وكالات الاستخبارات عاصفة من الأحاديث المماثلة بين جماعات متطرفة يمينية من ألمانيا الشرقية، مثل: "الطريق الثالث"، وهو حزب للنازيين الجدد، وجمعية "مستقبل البلد"، وهي شبكة تتركز في ولايتي براندنبورغ وساكسونيا الشرقيتين.
لكن يتمثل خوفهم الأكبر في "حزب البديل من أجل ألمانيا"، الذي تأسس قبل حوالي عقد من الزمن كوسيلة للمحافظين الذين خاب أملهم في الحزب المسيحي الديمقراطي بقيادة أنجيلا ميركل، ومنذ ذاك الحين مر الحزب بعدة مراحل من التطرف ويخضع عدد من فروعه الشرقية رسميا للتحقيق، باعتباره تهديدات مشتبه بها أو مؤكدة على النظام الديمقراطي الألماني.
وقالت وكالة الأمن المحلية في ساكسونيا إن العديد من الجماعات المتطرفة التي رصدتها كانت تحاول استغلال الأزمة الاقتصادية الوشيكة لتنشيط الكراهية التي اشتغلت في خضم الجائحة ثم تلاشت.
وأضافت: "بالوقت الحالي يمكننا أن نلاحظ في ساكسونيا أن أطرافا متطرفة يمينية بدأت تستغل أزمة الطاقة، والتضخم، والمشاكل في المجتمع، وتحاول زرع تلك القضايا ضمن نقاط الحوار الشعبوية والمتطرفة كي تحتل مكانة بارزة في النقاشات العامة".
ومع ذلك، أكدت جميع الأجهزة الأمنية الأربعة التي استشارتها "التايمز" أن شتاء الغضب قد لا يكون حتميا بعد، حيث لا توجد أدلة عملية من ألمانيا على أن المأزق الاقتصادي سيؤدي بالضرورة إلى تيارات تطرف جماعية بين ليلة وضحاها.