أحداث مؤسفة شهدتها أفغانستان مؤخراً، وإجرام لا مبرر له ولا تفسير، ذلك الذي حصد أرواحاً بريئة تقدم الخير للإنسانية
الإرهاب من أخطر الظواهر التي تواجه العالم، لأنه يهدد حياة البشر، وينصب فخاخ الموت للمدنيين، ويتغذى على دماء الأبرياء، ويصبغ الحياة الجميلة على هذا الكوكب الرائع بلون الدم وبألوان الدمار السوداء القاتمة، ويهوي بالمجتمع الإنساني إلى الانحطاط والهمجية والتخلف، وما يمر عام إلا والإرهاب يقتل ويصيب مئات الضحايا من مختلف الأعراق والثقافات في أنحاء العالم.
أحداث مؤسفة شهدتها أفغانستان مؤخراً، وإجرام لا مبرر له ولا تفسير، ذلك الذي حصد أرواحاً بريئة تقدم الخير للإنسانية. لقد ارتقى شهداؤنا وهم يزرعون الأمل في نفوس الأطفال والمحرومين، وينشرون السعادة في ربوع قندهار، ويناضلون في ساحة العمل الإنساني والإغاثي، ليكفكفوا دموع الأيتام، ويداووا جروح النفس والروح، فأبى الإرهاب إلا أن يطل برأسه القبيح، وينفث سمومه القاتلة، ويمد مخالبه ليطفئ شموع الأمل، ومهما حاولنا أن نرسم صورة بشعة لهذا الإرهاب المقيت فهو بالتأكيد أبشع من أي صورة متخيلة.
طوق منغلق يحيط بعقول الإرهابيين، ويغطي على حواسهم وشعورهم، فلا يرون العالم إلا بعيون سوداء، وقلوب مليئة بالحقد والكراهية، ولا يعرفون شيئاً عن حقوق الإنسان، وقدسية الدماء وكرامة النفس الإنسانية، وهذه المرة أظهروا وجههم الآخر بالاعتداء على العمل الإنساني، واستهداف موظفي الإغاثة والمؤسسات الإنسانية، وهذا النوع من الجرائم أكثر سوءاً وانحطاطاً وهمجية، لأنه يعطل التنمية، ويعرقل مسيرة العمليات الإنسانية، ويحرم المحتاجين من المساعدات والمعونات، ويزيد من وطأة الفقر والمعاناة والألم في المجتمعات.
إن مواجهة ظاهرة الإرهاب هي قضية عالمية تحظى باهتمام المجتمع الدولي، وتهم الحكومات والشعوب التي تعاني هذا الداء الخبيث، وبالذات الدول المضطربة أمنياً، التي هي بحاجة إلى تكثيف الجهود لدحر قوى الظلام والمنظمات المتطرفة، واتباع سياسات شاملة لمواجهة هذه الآفة.
وإحدى هذه الوسائل لمكافحة الإرهاب، الاستمرار في زرع الأمل والأعمال الإنسانية ومكافحة الفقر والجهل، فالإرهاب يقتات على الآفات الاجتماعية، ويستغل انتشار الأمية والجهل والفقر والبطالة، فمكافحة هذه الآفات الاجتماعية تسد طريقاً أمام الإرهاب، بدعم التعليم ومكافحة الأمية، وخلق فرص عمل للشباب تتيح لهم بناء مستقبلهم وتمدهم بالأمل والحياة الكريمة، وإقامة المشاريع التنموية النوعية التي من شأنها أن تسهم في التقليل من البطالة واستقطاب الأيادي العاملة وبسط رقعة الازدهار وتحقيق التنمية المستدامة، وهذه المشاريع تحتاج إلى رعاية، لتبقى وتستمر، وتأمين الحماية اللازمة لها.
وكذلك التثقيف ونشر التسامح والحوار الحضاري واحترام الآخر والانفتاح، مسائل جوهرية للقضاء على آفة الإرهاب، وتفكيك أفكار الكراهية والتعصب والانغلاق التي يعتنقها المتطرفون، وينشرونها بين صفوف المجتمع. فالناتج الطبيعي لهذه الأفكار توليد العنف والإرهاب والحروب، بينما الناتج الطبيعي للتسامح هو التعايش والإخاء والسلام. والعامل الثقافي مهم جداً، لارتباطه بالفكر والوعي وتوجيه السلوك والحياة بعناصرها المختلفة، فالثقافة كما عرّفها «السير إدوارد تايلو» هي ذلك المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع. فمن الضروري أن تكون جميع هذه العناصر الثقافية قائمة على مبادئ التسامح ومتوائمة فيما بينها، لإعداد ثقافة مجتمعية كاملة متناسقة تستطيع أن تواجه الإرهاب مواجهة شاملة.
وكذلك المسح الأمني العام لجمع الأسلحة وتفكيك أوكار العصابات الإرهابية وبناء استراتيجية أمنية قوية لإحلال السلام في المدن والقرى، وكذلك تمكين قبضة القانون، وسيادة العدالة، وتطوير المنظومات القضائية، لمحاسبة الإرهابيين وملاحقتهم قضائياً، فالأمن والقانون سلاحان مهمان لمواجهة الإرهاب، والجناح الآخر هو الثقافة والدين والأخلاق والفكر والتنمية ومجتمع العدالة والحقوق.
إن الوازع الديني من أهم الأسلحة لمحاربة الإرهاب، فالمنظمات الإرهابية تجفف منابع التدين الصحيح، وتخلق حالة من الخواء الروحي والنفسي، لأنها تعمل على نزع الوازع الديني من الإنسان، وتجريده من القيم الأخلاقية والروحية، ليصبح منزوع الرحمة والشفقة، ظالماً طاغياً، واقعاً تحت طوع هذه المنظمات التي تستغله للتفجير والتفخيخ. ليس لديه خوف من الله، ولا يرجف له جفن وهو يسفك الدماء التي نهى الرب عن سفكها، وفي القرآن الكريم: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». والحضارة الإسلامية حضارة علم وروح، وقد خلّف علماء المسلمين كتباً كثيرة في قضايا الأخلاق والوازع الديني ومسائل الإيمان والإحسان، لبناء إنسان سوي يحترم قيم التعايش ويحترم الآخر، ويقدس حرمة النفس الإنسانية، ويمتلك رقابة ذاتية تحصنه من العنف والإرهاب.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة