يفخر الوطن بشهدائنا الأبرار، وبتضحياتهم في سبيل عزته ورفعته، فهم أناس آمنوا بقضيتهم، فازدادوا عشقاً للفداء بالنفس في سبيلها
يفخر الوطن بشهدائنا الأبرار، وبتضحياتهم في سبيل عزته ورفعته، فهم أناس آمنوا بقضيتهم، فازدادوا عشقاً للفداء بالنفس في سبيلها. لم تردعهم صورة الموت في سبيل عزة الوطن وإسهاماته الإنسانية من أجل نصرة الحق وأهله في شتى بقاع الأرض بإيمانهم أن ذلك هو جزء من ثقافة حياة سامية، وهو اختبار يتخطى بمعانيه الوجود الحسي، ليسمو في أعلى درجات النبل والإيثار.
إنه إحسان إلى الأمة كلها، وقد كفل الله -سبحانه- للمؤمنين أن يكون معهم، وأن يرحمهم ويؤيدهم بنصره بقوله تعالى: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين» (العنكبوت/ 96). ولا يقتصر الجهاد بالدفاع عن حدود الوطن، بل يتعداه ليشمل الدفاع عن المبادئ والقيم، التي يمثلها الوطن في مختلف المواقف الإنسانية أو تلك التي يسعى لتجسيدها بين الأمم الأخرى، وقد سعت دولة الإمارات لكي تكون رائدة في العمل الإنساني الدولي انسجاماً مع فطرة الإنسان الكامل في فعل الخير، وكانت أفغانستان المنكوبة إحدى أهم الساحات التي دخلها الإماراتيون لصنع مستقبل أفضل لها، وجاءت توجيهات القيادة الحكيمة لتؤكد ضرورة تحقيق الاستقرار في هذه الدولة، بعد المعاناة من ويلات الحروب والفوضى، لما يزيد على ثلاثة عقود من الزمان.
واشتملت هذه التوجيهات على مبادرات خيرية إماراتية، لدعم الشعب الأفغاني، تأكيداً لمنهج وثوابت السياسة الخارجية لدولة الإمارات، التي أرساها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، التي ترتكز على بناء علاقات طيبة مع الدول الشقيقة والصديقة، ومنها أفغانستان، وفي هذا السياق تسهم دولة الإمارات بسخاء في الجهود الدولية الرامية إلى دعم الحكومة الأفغانية في مساعيها الهادفة إلى استعادة الأمن والاستقرار في البلاد، ويتوزع الدعم في مسارات متعددة، منها ما هو أمني وعسكري ومنها ما هو مدني إنساني إغاثي، وفي المجال الإنساني تم إنشاء «مدينة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان السكنية» في كابول، التي تم إنجازها من قبل هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وتضم 200 وحدة سكنية، وبتكلفة 16.5 مليون درهم، وأنشأت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية «دار زايد للأيتام»، تخليداً لذكرى مؤسس الدولة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي عرف عنه تشجيعه للتعليم، لتقديم خدماتها للطلبة الأيتام. واعتمدت هذه الدار كمدرسة ابتدائية وثانوية في ولاية قندهار، وهي تتضمن 31 صفاً دراسياً، ويدرس فيها 1032 طالباً منهم 721 طالباً يتيماً.
وفيما يخص دعم المرأة الأفغانية، فقد أطلقت الشيخة فاطمة بنت محمد بن زايد آل نهيان، مبادرة تتيح الفرصة أمام مختلف شرائح المجتمع الأفغاني، للاستفادة من الخدمات الاجتماعية الأساسية، التي تقدمها؛ حيث تشمل: «برامج التدريب المهني للراشدين» و«البرنامج التعليمي للأطفال»، إضافة إلى «برنامج الرعاية الصحية المجانية». وفي جانب المشاريع الإنمائية، أكد مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الاقتصادية والتجارية بوزارة الخارجية والتعاون الدولي محمد شرف، في بيان، في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، أن «صندوق أبوظبي للتنمية، قدم نحو 149.6 مليون دولار أمريكي ، لتنفيذ مشروع الإسكان الاجتماعي الهادف إلى توفير 4000 وحدة سكنية في كابول لأبناء الشعب الأفغاني، وخاصة للأرامل واليتامى والمعاقين، فيما خصصت «مؤسسة دبي العطاء» ما يزيد على 1.3 مليون دولار أمريكي من أجل دعم خدمات التعليم الأساسي في أفغانستان، وبرامج تنمية الطفولة المبكرة ، ومحو الأمية».
وقد بلغت إسهامات دولة الإمارات المالية في أفغانستان نحو مليار وخمسمئة مليون دولار أمريكي منذ مؤتمر طوكيو عام 2009، وشاركت في مؤتمر التعاون الاقتصادي الإقليمي الرابع من أجل أفغانستان، الذي عقد في إسطنبول. وفي «مؤتمر المانحين»، الذي عقد في برلين، وأيضاً «مؤتمر المانحين»، الذي عقد في لندن. وإدراكاً منها للصلة الكبيرة بين الاقتصاد والأمن، استضافت دولة الإمارات في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2010 مؤتمراً دولياً في دبي، لبحث إمكانية تنفيذ مشاريع التنمية في مجالات التعدين، والبنية التحتية، والزراعة؛ لمساعدة الشعب الأفغاني.
ولا يقتصر الوجود الإماراتي في أفغانستان على العمل الإنساني الصرف، بل يتعداه إلى المشاركة في قوات المساعدة الأمنية الدولية «إيساف»، التي أنشأها مجلس الأمن الدولي في 20 ديسمبر 2001، بموجب القرار (رقم 1386)، التي تتضمن مشاركة الإمارات في مشروع إزالة الألغام في قندهار بتكلفة تقدر ب 27.8 مليون دولار أمريكي، وهذه الألغام قتلت وجرحت الآلاف من الأفغان في تلك المنطقة. إن إسهامات الإمارات في أفغانستان ما تزال مستمرة. وقد أظهر العمل الإرهابي الآثم في قندهار، الذي استشهد فيه كوكبة من أبناء الإمارات المكلفين بتنفيذ المشاريع الإنسانية والتنموية والتعليمية في جمهورية أفغانستان، حجم الجهود الإماراتية المبذولة لمساعدة الشعب الأفغاني، فقد كان الشهداء برفقة سفير الدولة جمعة محمد الكعبي في زيارة إلى قندهار، لوضع حجر الأساس ل«دار خليفة بن زايد آل نهيان لرعاية الأيتام» في الولاية، والتوقيع على اتفاقية مع جامعة كاردان للمنح الدراسية على نفقة دولة الإمارات، بحضور والي قندهار ووزيرة العمل، لكن أعداء الإنسانية ودعاة الظلام أبوا إلا أن يشوهوا وجه الحضارة، فكان عملهم القذر دليلاً على انحطاط أخلاقهم، وبعدهم عن كل المعاني، التي تمثلها الأديان والقيم الإنسانية العليا.
ورغم المصاب الأليم، فإن الإمارات لن تتوقف عن مساعيها، لتحقيق الأمن والاستقرار لأفغانستان، وتحقيق مستقبل أفضل للشعب الأفغاني.
* نقلا عن الخليح
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة