كيف يفكر الإرهابي؟ هذا السؤال مازال العالم يبحث له عن إجابة طوال السنوات الأخيرة دون أن يصل لإجابة واضحة ومحددة
كيف يفكر الإرهابي؟ هذا السؤال مازال العالم يبحث له عن إجابة طوال السنوات الأخيرة دون أن يصل لإجابة واضحة ومحددة.. فالوصول إلى طريقة تفكير الإرهابيين تمثل البداية الصحيحة للوصول إلى الهدف الخاص بمنع الإرهاب.
ربما قراءة رسائل عدد من الإرهابيين تمثل بداية للوصول إلى الإجابة. فقبل أيام نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية رسالة للإرهابي صلاح عبد السلام، العقل المدبر لهجمات باريس الإرهابية العام الماضي، كتب فيها "لا أسعى إلى رفع شأني على الأرض ولا إلى إشاعة الفوضى، كل ما أريده هو الإصلاح فأنا مسلم أي سلمت أمري إلى الله".
إن رسالة عبد السلام تدلل على طريقة تجنيد قادة الإرهاب للعناصر التي يلقونها في النار، فالأساس هو زرع فكرة الصراع مع الآخر لدى هؤلاء الشباب فهم يلقنون عبر قادتهم أنهم يحملون رسالة خاصة للعالم وأن الهدف هو الإصلاح.
هؤلاء الشباب المغرر بهم يلقون بأنفسهم في التهلكة ويقتلون العشرات بل المئات وهم يعتقدون أنهم بهذا الأمر يصلحون أمر الدين والدنيا وأنهم مبعوثون من الله بل وأحيانا مختارون منه لتنفيذ تعاليمه..
هذا الفكر الشيطاني يقوم على اختزال للعالم في شخص واحد واختزال الدين في نفس الشخص بل واختزال رسالة الإسلام في شخصه..
من السهل جداً أن تعثر بين الشباب أو ما تعرفه مدرسة الديموجرافيا السياسية بـ"جيل القتال" بين 18 و29 عاماً من هم يعتقدون أنهم أبطال سيغيرون العالم.. ويلتقط فقهاء الدم هذا الاعتقاد ليرسموا صورة بطولة خاصة لهؤلاء بزرع أفكار أنهم في مواجهة العالم وأن الطريق هو استخدام العنف والقتل لتحقيق هذه البطولة.
فالبحث عن البطولة يخرج من رسالة الإرهابي صلاح عبد السلام بأن يقدم جملة لا أسعى لرفع شأني في الأرض فهي الرسالة المعكوسة كما تشير مدارس علم النفس فالباحث عن شيء عادة ما يقدم نكرانه على كل الجمل في حديثه. فالتحقق يكون بالقتل ورفع الشأن يكون بالدماء.
ولكن هل البطولة فقط ما يفكر فيه الإرهابي، إن الفكرة الثانية التي تتغلغل في أدمغة هؤلاء الإرهابيين هي الاحتقار للجميع. فالإرهابي يعتبر الجميع بدون استثناء أقل منه شأنا سواء أصحاب الأديان الأخرى أو حتى أبناء دينه بل يرى بعض علماء النفس أن الانتحاري يعتبر أقرانه في نفس التنظيم الذين لا يبادرون بالانتحار أقل منه شأنا..
جنون العظمة واحتقار الجميع، فكرة متأصلة لدى جميع الإرهابيين فنجد في رسالة لإرهابي مصري في سيناء – نشرت في عام 2015 - قول يتكرر كثيراً في تغريدات وأقوال أصحاب الفكر الشيطاني إلا وهي "اللهم لا تجعلني من كلاب النار".. فالإرهابي هنا يرى الآخر ليس فقط مصيره النار حتماً، بل إنه "كلب" لا يستحق أي شفقة. فهو يحتقر أي إنسان في العالم ولا يصفه بالإنسان بل بالكلب. إن القرآن الكريم وصف من يدخل نار جهنم بـ"أهل النار" وليس كلاب النار لأن الإسلام دين التسامح لم يخرج حتى من كفر عن كونه إنساناً.
هكذا فإن الإرهابي يتلبس وهم بطولة فردية ينكرها علانية ويبحث لها عن رداء الدين وفي مواجهة بطولته الوهمية يرى الآخرين كلهم أقل منه شأناً بل يحتقرهم لدرجة اعتبارهم كلاباً.
ولكن كيف يفكر الإرهابي أثناء تنفيذه عمليته القذرة؟ هذا سؤال آخر سنجيب عنه لاحقاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة