تونس لم تعد قادرة على تحمل مزيد من الصبر أمام تجربة سياسية مرتبكة وعاجزة عن تقديم أي تصورات ناجحة للحركة السياسية التونسية.
تجربة الإخوان في تونس فشلت بكل المقاييس، كون الشعب التونسي يعتقد أن "النهضة"، أحد أجنحة الإخوان الدولية، تقف خلف الأزمات المجتمعية والفقر وتراجع الدولة التونسية واندثار قيمها وقواعدها.
ولعل الفكرة المهمة، التي يدركها الجميع، تدور حول تأكيدات قاطعة أن العالم العربي والشعوب العربية أصبحت متيقنة أن تجارب الأحزاب السياسية التابعة للإخوان هي تجارب فاشلة ولا تمنح الشعوب أي فرصة لتحقيق الإنجازات.
تونس تمر اليوم بحالة طارئة، وقرارات الرئيس التونسي، قيس سعيد، استندت إلى الدستور التونسي، وشكلت طوق النجاة الذي كان لا بد منه، فالشعب التونسي كان على وشك التحرك لتخليص نفسه من حركة "النهضة"، التي أصبحت متعارضة مع رغبات الشعب التونسي.
ومن المهم هنا أن ندرك أن ما حدث في تونس ليس سجالاً سياسيا بين قوى متعادلة تتصارع في البرلمان التونسي، ما حدث في تونس هو نتيجة مباشرة لمحاولات جعل تونس منبرا للإسلام السياسي، وإعادة إحياء الفرضيات السياسية الإخوانية في العالم العربي بشكل خاص.
حركة النهضة حاولت سياسيا أن تقدم خطابا معتدلا من أجل كسب ثقة الشعب التونسي منذ عام 2011م، ولكن هذه التجربة لم تنجح رغم كل الفرص، التي حصلت عليها، ورغم محاولاتها الظهور بمظهر الحزب التقدمي الإصلاحي الذي يبتعد عن الأيديولوجيا، ورغم محاولاتها تعريف الدولة بمسارات تبدو ديمقراطية، إلا أن الأزمة الفعلية لـ"النهضة" الإخوانية بقيت في العمق التكويني لها، فقلب الحركات الإخوانية، مهما تعددت مفاهيمها، هو قلب مؤدلج غير قادر على الانفصال عن أهدف الأدلجة، وهذا ما شكل الرابط التاريخي بين كل فروع الإخوان في العالم العربي، تحديداً منذ تسعة عقود عندما نشأت الإخوان في مصر عام 1928م.
ومهما تعددت الأفكار السياسية التطبيقية لمنتجات الإخوان، سواء في تونس أو غيرها، فإن أسس الإخوان تحصر الأفكار السياسية بزوايا مؤدلجة من حيث التعامل مع السلطة والاستراتيجية السياسية، وطغيان فكرة الأمن المطلق والتسلط على منهجية الحركة السياسية، وربط المجتمعات بمرجعيات يصعب تمريرها سياسيا واجتماعيا على التنوع المجتمعي.
ولقد أثبتت التجارب التاريخية الحديثة أن الإسلام السياسي، مهما تنوعت تسمياته، فشل في تقديم نموذج سياسي اجتماعي متوزان يستوعب الدولة الوطنية بمفهومها الحديث، ولعل أخطر تلك المفاهيم يكمن في استخدام العقائد كمرْكبة سياسية على الجميع الالتحاق بها بغض النظر عن تنوعهم العقدي أو الأيديولوجي.
تجذر الإخوان في كثير من الدول العربية أسهم في إنتاج نماذج مختلفة من الإسلام السياسي، ولكن ظلت "الإخوان" غير قادرة على الخروج من أفكارها السياسية المحصورة في آليات حكم مقتضبة، والسيطرة والتسلط، وتغيير مفاهيم الأمن القومي للشعوب، ونبذ معايير الدولة الوطنية.
إن التجربة الشعبية في العالم العربي مع الإخوان تصل اليوم إلى ذروتها التاريخية، مع انكشاف الفشل الذي حققته "النهضة" في تونس، رغم انضوائها تحت دستور تونسي محكم ومتوازن، وهذا دليل قاطع على أن حركات الإسلام السياسي تتجه إلى الانقراض من التجربة السياسية العربية والإسلامية بشكل تدريجي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة