يرجع تاريخ حضور العرب في الأحواز قبل الفتوحات الإسلامية، وقبل إنشاء الدولة الساسانية الفارسية.
وشهدت منطقة الأحواز أول إمبراطورية عربية على أراضيها، وهي الإمبراطورية الميسانية، التي حكمها 26 ملكاً عربياً.
وتتمتع تسمية "عربستان" بالأهمية الوثائقية الدولية، فكل المستندات والوثائق الدولية، ومنها على الخصوص البريطانية والروسية والهندية والتركية والفارسية والإيرانية، تعتمد تسمية "عربستان" في مستنداتها ووثائقها القديمة.
وتتنصل إيران من تسمية "عربستان"، لما لها من دلالة قوية على أن هذه الأرض عربية وليست فارسية، وتستهدف تضليل الرأي العام عن الحقائق التاريخية لهذا البلد العربي المغتصَب عبر تغيير اسم "عربستان" إلى "خوزستان"، وتوليف أوهام تضيع عروبة الأحواز، لكن عملهم المشين هذا هو سطو على التاريخ وجريمة يرتكبونها بحق تاريخ الشعوب.
لقد اقتطعت بريطانيا "الأحواز" من العراق وضمته إلى إيران عام 1925م مقابل تقليص النفوذ الروسي، ومنذ سيطرة إيران على "عربستان" عانى عرب الأحواز أصنافاً من الظلم والقهر الاجتماعي والقمع على يد الحكومات الإيرانية المتعاقبة، التي تتعامل مع أبناء "عربستان" على أنهم "مواطنون من الدرجة الثانية"، لذلك دائما ما يتجدد الصراع داخل الإقليم.
وتعد انتفاضة الأحواز عام 1979م واحدة من الانتفاضات، التي اندلعت في جميع أنحاء إيران، مطالبة بالحصول على حكم ذاتي، لكن الانتفاضة قُمعت من قبل قوات الأمن الإيرانية، مما أدى إلى سقوط مئات القتلى، وقامت مجموعة عربية انفصالية بحصار السفارة الإيرانية 1980م في لندن، ردا على الحملة الإيرانية ضد الأحواز.
وتتوالى الاحتجاجات الأحوازية، وقد غدت اليوم واسعة النطاق، ليس في الأحواز فحسب، بل شملت معظم المدن الإيرانية، معلنة غضبها على النظام الإيراني.
وطالب مركز الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران الأمم المتحدة بالتدخل لوقف العنف، الذي تمارسه السلطات الأمنية الإيرانية ضد المتظاهرين في الأحواز، وعبّر المركز عن قلقه لمقتل عدد من المتظاهرين، ودعا المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى التدخل لوقف عمليات القمع، التي استهدفت نشطاء متضامنين مع مظاهرات الأحواز في العديد من المدن الإيرانية، وذلك خلال تنظيمهم تجمعاً احتجاجياً أمام مبنى وزارة الداخلية في طهران، وكذا التدخل لوقف عمليات العنف، المتمثلة في القتل وجرح واعتقال المتظاهرين، التي تؤدي إلى تعقيد الوضع وتصعيد حدة الاحتجاجات.
وقد لجأت السلطات الإيرانية إلى سرقة مياه الأنهار من المدن الأحوازية عبر بناء السدود وتحويل المياه إلى المدن والقرى الفارسية على حساب الإقليم.
والأحواز هو الخزان المائي الأكبر، الذي يغذي كثيرا من المحافظات الإيرانية، وتمثل مياهه نصف المخزون المائي الإيراني، ورغم هذه الوفرة تعرض الإقليم إلى أزمة جفاف غير مسبوقة، لكن المتظاهرين يعتبرون أن مشاريع نقل المياه تجري بشكل تمييزي وتهدف إلى تهجير المواطنين العرب من أراضيهم.
ويعتبر إقليم الأحواز، الواقع جنوب غرب إيران، منطقة غنية بالنفط والغاز والمياه، فغالبية حقول النفط الإيرانية تقع فيه ويُنسب إلى هذه المنطقة العربية أكثر من ثلثي إنتاج إيران النفطي.
ويُعد الإقليم منسيا، وهو الذي غابت عنه سياسات التنمية الاقتصادية وتُسجل فيه أعلى مستويات الفقر في إيران، رغم أنه يمثل شريان الاقتصاد الإيراني، فمنه تستخرج نسبة 85 بالمائة من نفط إيران، و90 بالمائة من الغاز الطبيعي في البلاد، ويتم إنتاج 74 بالمائة من كهرباء إيران عبر المصادر الطبيعية في الإقليم.
تاريخيا، استمرت المطالبات باستقلال الأحواز، ففي عام 1946م تأسس حزب "السعادة" في "المحمرة"، واتحدت أحزاب مستقلة جديدة لتشكل "الجبهة الوطنية لتحرير عربستان" في 1956م، وقوبل ذلك بتورط الجيش الإيراني في مذابح عدة بـ"عربستان".
وتواصل التمرد العربي المتقطع خلال خمسينيات القرن العشرين، إذ سعت الحركة الانفصالية الأحوازية إلى إنشاء دولة مستقلة للسكان العرب، بسبب ما تراه احتلالا إيرانيا، فيما يظهر الصراع غالبا على أنه نزاع عرقي ديني بين العرب في الغالب من الجزء الغربي من الأحواز.
والحقائق توضح أن هناك مستندات قديمة، فارسية وعثمانية وأوروبية وآسيوية وهندية، تستخدم كلمة "عربستان" قاصدة بها الأحواز، لهذا اقتضى الأمر أن تلحق كلمة "عربستان" بكلمة "الأحواز" بهدف التوضيح والبيان.
وللأسف الشديد، والمؤلم في الوقت نفسه، أن الدول العربية لا تدرس تاريخ "الأحواز" ضمن التاريخ العربي في مناهج المراحل الدراسية، لأن بعض البلدان العربية تراعي علاقاتها السياسية مع إيران، وفي ذلك تنازل عن حق عربي قومي شرعي مقابل عدم إغضاب إيران أو فقدان تلك العلاقات، التي ليس فيها أي نفع لصالح القضايا العليا للأمة العربية، ما يتطلب ضرورة اعتماد تاريخ الأحواز ضمن تاريخ الأمة العربية.
وبوحشية بالغة، اتبعت السلطات الإيرانية سياسة "الأرض المحروقة"، وصعّدت حملاتها القمعية بهدف إخماد هذه الاحتجاجات، التي تأتي في وقت تشهد فيه البلاد مرحلة انتقالية استعداداً لتولي الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي منصبه بصفة رسمية.
في هذا السياق، اتهم الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، ما سماه "عصابة أمنية فاسدة" بإثارة الأزمة في الأحواز قائلاً: "المواطنون لهم الحق في طرح مطالبهم، لكن السلطات تواجه التظاهرات السلمية، ومع أي موجة احتجاجية تأتي العصابة الأمنية فتثير العنف وتشتبك وتحرق وتطلق الرصاص وتمهد لقمع الناس، ثم تربط المطالب الشعبية بالأجانب والمجموعات المناهضة للثورة وتستمر بالقمع".
أما الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، فقد ندد بمواجهة المحتجين، معرباً عن أسفه لسقوط بعض القتلى في التظاهرات، واعتبر أنه لا يحق لأي جهاز سياسي أو أمني اللجوء إلى العنف والسلاح لمواجهة الاحتجاجات الشعبية بذريعة منع القلاقل الأمنية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة