لماذا تحولت الفيوم إلى مفرخة للإرهابيين في مصر ؟
كون الإرهابي الذي فجر الكنيسة البطرسية من الفيوم أثار تساؤلات حول تحول المدينة الواقعة جنوب القاهرة إلى مفرخة للإرهابيين
ما أن أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الإثنين الماضي هوية الإرهابي منفذ التفجير الذي استهدف الكنيسة البطرسية بالقاهرة، حتى قفزت محافظة الفيوم، مسقط رأس الإرهابي محمود شفيق محمد مصطفى، إلى واجهة الأخبار.
وأعاد الإرهابي شفيق إلى الأذهان أحداث عنف نفذتها جماعات إرهابية في مدينة الفيوم الواقعة على بعد 150 كلم جنوب العاصمة في ثمانينيات القرن الماضي، جعلتها لما يقرب من 35 عاماً أرضاً خصبة لسيطرة الإرهابيين، وهو ما طرح تساؤلاً عما إذا كانت الفيوم لاتزال مفرخة للإرهابيين.
وبحسب الأجهزة الأمنية فإن الانتحاري منفذ عملية تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، من مواليد 10 أكتوبر/تشرين الأول 1994 بمحافظة الفيوم واسمه الحركة أبو دجانة الكناني، وشاركه في التخطيط والإعداد للعملية 3 آخرين، وسيدة، بالإضافة إلى اثنين هاربين.
خبراء في الحركات الإسلامية، حددوا 3 عناصر دفعت لتشكيل جيل ثالث من الإرهابيين في محافظة الفيوم المصرية وهي المستوى الاجتماعي، والإرث التكفيري لذلك الجيل، حيث يتواجدون في أرض خصبة لخروج إرهابيين جدد، وأخيراً التطورات السياسية التي تلت ثورة 30 يونيو/حزيران 2013.
واتفق الخبراء على أن هذه العناصر قد تتكرر في محافظات أخرى، فليست الفيوم المتصدرة خارطة العنف دون غيرها غير أن جملة هذه العناصر بها أهلها لأن تكون قابلة لتفريخ الإرهاب وزرع بذور التطرف على غرار غيرها من المدن شمالاً وغرباً.
وتقع الفيوم جنوب غرب العاصمة القاهرة، محاطة بالصحراء من الاتجاهات، ماعدا الجنوب الشرقي، وتبلغ مساحتها الكلية 6.068.70 كم2، وتعاني مثل باقي محافظات الصعيد من مشكلات اجتماعية واقتصادية، أبرزها الفقر والأمية، بالإضافة لانتشار التيارات الإرهابية بها.
الفيوم.. ليست الوحيدة
كمال حبيب، الخبير في الحركات الإسلامية قال لبوابة "العين" الإخبارية، إن الفيوم مثلها مثل محافظة الجيزة والشرقية، بالإضافة لمثلث تحرك ولاية سيناء المبايعة لداعش، تواجه حزمة من الفقر والأمية، و"ترييف المدن"بمعنى التعامل مع بعض مدنها بمنطق الريف، وإدخال القرى في المدن، وهو ما يجعلها تعاني حالة من العشوائية والتهميش.
وأضاف حبيب: لا يمكن اعتبار الفيوم وحدها مفرخة الإرهاب في مصر، فهناك محافظات غيرها قابلة لهذا الأمر، وهذا يعتمد على عناصر عدة، فالأمر أكثر تركيباً من قصر الأمر على نطاق جغرافي واحد.
المحلل السياسي رفعت سعيد أحمد، يوافق كمال الرأي بقوله: التحليل الجزئي للظاهرة لا يعطي إجابة عملية نستند عليها، لأن الإرهاب أكثر تعقيداً، والظاهرة تعولمت وتجاوزنها لأنه هناك دفع دولي وأصبح الإرهاب عابراً للقارات.
وتابع المحلل السياسي لبوابة "العين": بالطبع هناك عوامل تساعد أن تكون الفيوم من الأراضي الخصبة للإرهاب، الذي هو بالأساس ظاهرة اجتماعية تلامسها عوامل الفقر وغياب التنمية.
الشوقيون.. إرث يتمدد
يقول كمال حبيب إن هناك عناصر، بخلاف الفقر والتهميش، دفعت لتشكيل جيل من الإرهابيين ، وجميعها تجمعت في الفيوم هناك سياق تاريخي ربط الأجيال الجديدة بحركات إرهابية وتكفيرية ذاع صيتها في تلك المدينة، كان أبرزها احتضان مفتي تنظيم الجهاد عمر عبد الرحمن (مسجون حالياً في السجون الأمريكية) والذي كان له أتباع متطرفين في ذلك الوقت.
ومن بين هؤلاء الأتباع شوقي الشيخ، الذي أسس فيما بعض تنظيم إرهابي أسماه "الشوقيون" والذي كان يرى ضرورة شرعية لحمل السلاح بدعوى إقامة ما أسماه الخلافة الإسلامية وذلك بعد انشقاقه عن عبد الرحمن، وهنا تحولت الفيوم إلى ساحة لمعارك تكفيرية بين العناصر وبعضها البعض، وقوات الأمن من جهة أخرى.
حكم الإخوان.. الخروج من القمقم
العنصر الثالث بحسب كمال، تمثل في فترة ما بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011، والتي شهدت تنامي للإخوان والسلفيين لاسيما بعد وصول الرئيس المعزول محمد مرسي لسدة الحكم، ما أدى إلى الإفراج عن العشرات من الشوقيين، وتلاقيهم مع التيار السلفي والإخوان.
وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2012 كانت الفيوم أعلى محافظة حصل مرسي فيها على أصوات في مؤشر على تنامي تيار الإخوان بها.
يتابع كمال: حوادث أخرى تلت حكم الإخوان، وهي انضمام مجموعات جديدة من الشباب الصغير لهذا الفكر التكفيري، خاصة مع وجود جزء من التيار التكفيري في رابعة والنهضة، وهو ما جعل تلك الميدان أرضاً خصبة لهذا الإرهاب، الذي بدى يظهر على السطح فيما بعد.
يرى الخبير في الحركات الإسلامية، أن المؤثرات الفكرية كانت العامل الأكبر لاسيما أن الجيل الثالث من التكفيريين مقطوع الصلة بالعلم والأيدولوجيا وبالتالي تحركه أوهام وأساطير تبث على الإنترنت، خاصة مع وجود عوامل جناح داخلية متمثلة في جهل واستغلال لفائض طاقة حركية لتوجيه لأحداث لا يعرفها.
"دعشنة" الإخوان.. تقارب شظايا الإرهاب
أحمد بان، الخبير في الحركات الإسلامية قال إن تمدد الإخوان في الفيوم ومناطق أخرى استوطنوا بها، مع وجود جميع العوامل السابقة، جعلت هذه المناطق حواضن لجيل ثالث من الإرهابيين، خاصة أن الإخوان لم يعد نفس الكيان الذي كان يراهن على المسار السياسي، بل اتجه إلى العنف العشوائي الذي تبقى من تيار الجهاد والسلفية الجهادية في مصر.
ولم يجب بان، على سؤال ما إذا كانت الفيوم بيئة مفرخة للإرهاب في مصر، حيث رأى أن الفيوم مثل البقية، لا يمكن حصرها في الإرهاب، وإن كانت أرض خصبة له، مضيفاً أن الأجهزة الأمنية أمام تحدٍ في رسم خريطة غير تقليدية لمواجهة دعشنة الإخوان، كما أسماها، وهي السلوك الذي يعني تعزيز العنف لدى قطاعات واسعة داخل الإخوان ليأسهم من وجود مسارات أخرى.
الخبراء الثلاثة لخصوا حديثهم بأن البيئة الفقيرة والإرث التكفيري، وتقبل فكرة اللجوء للعنف بالتزامن مع التغيرات السياسية التي لفظت الإخوان ومن على شاكلتهم سياسياً وشعبياً، جميعاً جعلت الفيوم بيئة حاضنة للإرهاب، مثل نطاقات جغرافية أخرى، وإن كان بدرجة أكبر.