إن تداعيات الظروف الحالية تضع الأسر في سائر أنحاء العالم أمام اختبار حقيقي، يقيسون به مدى صلابة علاقاتهم
في ظل انتشار فيروس كورونا لجأت الدول إلى تطبيق مبدأ التباعد الجسدي لتقليل فرص انتشار الوباء، وترتب على ذلك بقاء أفراد الأسرة معا في المنزل لفترات طويلة، وكان لذلك نتائجه المختلفة حول العالم.
إن الأسرة يفترض بها أن تكون واحة الأمان والاستقرار والسعادة لأفرادها، وأن تكون العلاقات فيها مؤسسة على المودة والمحبة والعطف والشفقة، وأن يحرص فيها كل فرد على سعادة الآخر، سواء في إطار العلاقة الزوجية، أو في علاقة الآباء بأبنائهم، والعكس، أو في علاقة الإخوة بين بعضهم وبعض.
إن تداعيات الظروف الحالية تضع الأسر في سائر أنحاء العالم أمام اختبار حقيقي، يقيسون به مدى صلابة علاقاتهم، ومدى نجاحهم في تكوين أسرة متماسكة ذات قيم أخلاقية متميزة
إن تداعيات الظروف الحالية تضع الأسر في سائر أنحاء العالم أمام اختبار حقيقي، يقيسون به مدى صلابة علاقاتهم، ومدى نجاحهم في تكوين أسرة متماسكة ذات قيم أخلاقية متميزة، وتكشف لهم نقاط الضعف التي ينبغي لهم معالجتها في العلاقات المتنوعة داخل إطار الأسرة الواحدة.
لقد أطلقت المنظمات العالمية أجراس إنذار نتيجة تفاقم العنف المنزلي الذي اجتاح بعض الأسر في أزمة كورونا، سواء كان عنفا نفسيا أو لفظيا أو جسديا، وما ترتب على ذلك من الإساءة إلى النساء والأطفال، وازدياد حالات الطلاق، وارتفاع معدل العنف المتبادل بين الأشقاء.
إن هذه الظاهرة تعكس مدى حاجة العالم إلى ترسيخ القيم الإنسانية الحقيقية التي تنفذ إلى جوهر الإنسان، وتذيب من أعماقه الترسبات الجليدية الناشئة عن الأنانية والغلو في الحرية الفردية والإفراط في الاهتمام بالذات، والتي طمرت الرحمة والعطف والشفقة والإحساس بالآخر ومحبة الخير له لدى البعض.
إن تكاتف الأسر في هذه الأزمة ضرورة كبرى للمجتمعات، ليكون الفرد بين أسرته في أمان، ويشعر أنه بينهم في حضن دافئ، والأرقى من ذلك أن تستغل الأسرة هذه الفترة لخلق مزيد من التقارب والتعاطف بين أفرادها، والارتفاع بمستوى القيم الإنسانية التراحمية في نفوسهم، حتى لا يرى كل فرد في الأسرة الشخص الآخر إلا نفسه ذاتها التي يحرص عليها، فتذوب حواجز الأنا والآخر، ويصبح الجميع كنفس واحدة، اهتداءً بما رسَّخه القرآن الكريم في قوله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم}، أي: لا يَعِبْ بعضكم بعضا، فسمَّى الله الأخ المؤمن نفسا لأخيه، لأن المؤمنين كالجسد الواحد، والأسرة التي هي منشأ المودة والرحمة أولى بالتحلي بهذا المبدأ القرآني الراقي.
ومما يعين الأسرة على ذلك غرس ثقافة الحوار والتفاهم وتبادل الآراء وفن الإصغاء للآخر وحل المشكلات بحكمة، وترويض النفس على الحِلم وعدم العصبية والانفعال، وكسر حدة الملل بتنويع الأنشطة في المنزل، سواء كانت قراءة أو برامج هادفة أو التسلية واللعب والأنشطة الرياضية ونحوها، والعناية بالقيم الإيمانية التي تزود الإنسان بالتوكل واليقين والصبر وحسن الظن بالله والحرص على مرضاته بأداء حقه وحقوق عباده.
ومما ينبغي التنويه به كذلك متابعة العلاقة بين الإخوة في المنزل، ومدى تحليهم بروح المحبة والمودة فيما بينهم، فإن إهمال هذا الجانب يترتب عليه آثار سلبية، فبحسب خبراء تعتبر إساءة المعاملة بين الإخوة هي من أكثر مظاهر العنف المنزلي انتشارا لدى كثير من الأسر التي أهملت هذا الجانب، وتشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من هؤلاء الإخوة شهدوا مثل هذه الإساءة بين والديهم، فتصرفوا مع أشقائهم على نحو ذلك، ما يقتضي معالجة ذلك إن وجد، بتصحيح أي سلوك سلبي بين الإخوة في هذا الجانب، والعمل على تحقيق التقارب بينهم، وصولا إلى زرع المحبة والمودة تجاه بعضهم وبعض، وإبعاد الخلافات الزوجية عن الأبناء تلافيا لتأثرهم بها.
ومن الأمور المهمة كذلك في هذه الأزمة عدم ترك الأبناء ساعات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية وشبكات الإنترنت، دون ترشيد ومتابعة لهم، لئلا يقعوا فرائس لمن يسيء استخدام هذه الشبكات، سواء من الإرهابيين أو العصابات المختلفة أو من يمارسون التنمر الإلكتروني أو من يبثون السموم والإشاعات.
إن الظروف الحالية تتطلب من الأسر التكاتف والتلاحم، ليحققوا السعادة فيما بينهم، وليكونوا خير معين لدولهم وأوطانهم في تجاوز هذه الأزمة والانتصار عليها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة