الفاو: دوامة الفقر والنزوح تستمر في إيلام السوريين
ترك الصراع الممتد في سوريا على مدار سنوات، البلاد في حالة من الدمار، مع نزوح الملايين، وتدمير البنية الأساسية.
وفي خضم هذه الأزمة، أصدر برنامج الغذاء العالمي (الفاو) مؤخراً تحذيراً بأن أزمة الغذاء غير مسبوقة الحجم قد تجبر 1.5 مليون سوري إضافي على مغادرة منازلهم.
ووفقاً لتقرير موقع "مودرن دبلوماسي" يؤكد هذا التوقع القاتم على تقاطع الحرب وعدم الاستقرار الاقتصادي وانعدام الأمن الغذائي العالمي، مما يؤدي إلى تفاقم محنة سكان سوريا. وبحث تقرير الفاو في جذور أزمة الغذاء في سوريا، وتداعياتها على المنطقة وخارجها، مستكشفا الحلول المحتملة للتخفيف من حدة هذه الكارثة الإنسانية.
الصراع المطول والانهيار الزراعي
وقال التقرير إن الحرب الأهلية في سوريا، التي بدأت في عام 2011، أحدثت دمارًا هائلاً في القطاع الزراعي في البلاد، والذي كان تاريخيًا حجر الزاوية في اقتصادها. وقد تأثرت المناطق الخصبة، مثل المحافظات الشمالية الشرقية، بشدة بالصراع.
وقد تم التخلي عن الأراضي الزراعية، وتدمير أنظمة الري، وتفكيك البنية التحتية الزراعية. كما أدى القتال إلى تعطيل سلاسل التوريد، مما جعل من المستحيل تقريبًا على المزارعين جلب سلعهم إلى السوق.
وعلى سبيل المثال، شهد حزام القمح المزدهر في شمال شرق سوريا انخفاضًا حادًا في الإنتاج. ووفقًا للفاو، كان إنتاج القمح في عام 2023 هو الأدنى منذ عقود، حيث لم يغط سوى جزء ضئيل من الاحتياجات المحلية.
العقوبات الاقتصادية والانهيار المالي
وقد أدى فرض العقوبات الدولية إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية في سوريا. وكانت لهذه التدابير، التي تهدف إلى الضغط على نظام بشار الأسد، عواقب غير مقصودة على المواطنين العاديين. فقد ارتفع التضخم، مما جعل الغذاء والسلع الأساسية الأخرى غير ميسورة التكلفة بالنسبة للكثيرين.
وفي عام 2023، شهدت الليرة السورية انخفاضًا قياسيًا في قيمتها، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الواردات. وأصبحت السلع الأساسية مثل زيت الطهي والدقيق والأرز باهظة الثمن بشكل لا يطاق، مما أجبر الملايين على الاعتماد على المساعدات الإنسانية.
- الاقتصاد السوري.. ضحية سنوات الصراع والحرب
- طائرة بشار الأسد.. قلعة بجناحين و4 محركات من حقبة الصناعة السوفياتية
تغير المناخ والضغوط البيئية
وإلى جانب الصراع والعوامل الاقتصادية، برز تغير المناخ كقوة صامتة ولكنها مدمرة وراء أزمة الغذاء في سوريا. فقد شهدت البلاد سنوات متتالية من الجفاف، مما أدى إلى استنزاف موارد المياه الأساسية للزراعة.
وفي مناطق مثل الحسكة ودير الزور، جفت الأنهار والخزانات، مما ترك المزارعين بدون ري. ومن المرجح أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة وأنماط هطول الأمطار غير المنتظمة إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في سوريا.
وتحذر الأمم المتحدة من أن الهجرة الناجمة عن المناخ قد تزيد من الضغوط على البلدان المجاورة التي تستضيف بالفعل ملايين اللاجئين السوريين.
النزوح وضغوط اللاجئين
وتوقعات برنامج الأغذية العالمي بأن 1.5 مليون سوري قد يواجهون النزوح ليست مجرد إحصائية؛ بل إنها تمثل كارثة إنسانية وشيكة. وكثيراً ما يجبر النزوح الأسر على ترك منازلها وممتلكاتها وسبل عيشها، مما يدفعها إلى فقر أعمق.
والدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن، والتي تستضيف بالفعل ملايين اللاجئين السوريين، غير مستعدة للتعامل مع تدفق آخر. ففي لبنان، على سبيل المثال، أدت الأزمة الاقتصادية إلى إجهاد الموارد إلى حد الانهيار.
سوء التغذية ووفيات الأطفال
وقد أثر انعدام الأمن الغذائي في سوريا على الأطفال بشدة. وتشير تقديرات برنامج الأغذية العالمي إلى أن واحداً من كل ثلاثة أطفال سوريين يعاني من سوء التغذية، مما يؤدي إلى توقف النمو وزيادة التعرض للأمراض.
وفي عام 2023، أفادت اليونيسف بأن سوء التغذية الحاد بين الأطفال في سوريا وصل إلى مستويات مثيرة للقلق، حيث يتطلب العديد منهم تدخلاً طبياً عاجلاً.
وتواجه النساء الحوامل والمرضعات عجزاً غذائياً حاداً، مما يزيد من مخاطر وفيات الأمهات والرضع. وبدون اتخاذ إجراءات فورية، قد يواجه جيل كامل عواقب صحية وتنموية طويلة الأجل.
تآكل النسيج الاجتماعي
وانعدام الأمن الغذائي ليس مجرد قضية إنسانية بل هو أيضاً قضية اجتماعية. ففي سوريا، أدى الجوع إلى زيادة حالات عمالة الأطفال والزواج المبكر والاستغلال. والأسر اليائسة في تلبية احتياجاتها تلجأ في كثير من الأحيان إلى بيع أصولها، أو إخراج الأطفال من المدارس، أو تزويج بناتها لتقليص نفقات الأسرة. ولا تؤدي آليات التكيف هذه إلى إدامة دورات الفقر فحسب، بل إنها تقوض أيضاً التعافي والاستقرار في سوريا على المدى الطويل.