كيف يستغل أقصى اليمين الذكاء الاصطناعي بانتخابات ألمانيا؟

يقتحم الذكاء الاصطناعي كل المجالات، ويٌسخر لتحقيق أهداف عدة، أحدثها التأثير على الناخبين قبل الانتخابات، في معركة مفتوحة لكسب الأصوات.
هذا ما يحدث في ألمانيا قبل الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل، إذ يسخر حزب البديل لأجل ألمانيا "أقصى اليمين" الذي يحل ثانيا في استطلاعات الرأي، الذكاء الاصطناعي لكسب الأصوات.
”هل تتذكر كم كانت ألمانيا جميلة ذات يوم؟ سؤال تم طرحه في مقطع فيديو شاركته مرشحة أقصى اليمين لمنصب المستشار أليس فايدل، يصور بلدًا لم يكن موجودًا بالفعل، لأن المقطع مُخلق بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وتتضمن المشاهد المثيرة للذكريات، طفلة صغيرة ذات شعر خفيف تبتسم بعيون مشرقة، والخلفية مضاءة بخيوط ضبابية من أضواء عيد الميلاد وشجرة مليئة بالزينة؛ وامرأة شقراء شابة ترتدي قميصًا مطرزًا ترقص مبتهجة؛ وأطفال في حافلة يضحكون ويلعبون في طريقهم إلى المدرسة، والفرحة تلمع على وجوههم.
ووفق مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن مثل هذا المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي يساعد حزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للهجرة، على جعل رؤيته تبدو جذابة بشكل مذهل.
وقبل انتخابات 23 فبراير/شباط في البلاد، حيث من المتوقع أن يفوز حزب البديل من أجل ألمانيا بأكثر من 20% من الأصوات، يقوم كبار السياسيين في الحزب بنشر ومشاركة عدد كبير من الصور ومقاطع الفيديو التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، لتعزيز حظوظ الحزب.
وقال نوربرت كلاينفيختر، النائب البرلماني عن حزب البديل من أجل ألمانيا الذي كان من بين الأكثر نشاطًا في نشر المحتوى الذي تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي، في تصريح لـ ”بوليتيكو“: ”يتعلق الأمر بإظهار كيف يمكن أن تبدو الحياة مع حزب البديل من أجل ألمانيا وكيف يمكن مقارنتها، بما سيحدث لو لم نصل إلى السلطة“.
وتابع ”نحن لا نصف ما نريده بالكلمات فقط. نحن نوضحه ونقدمه - وبالطبع نضخّمه أحيانًا.“
تحريك مشاعر الحنين
يظهر على الموقع الإلكتروني للحزب صورة عامل منجم فحم يرتدي خوذة، وامرأة ترقص بلا مبالاة، ورجل ضاحك وامرأة مسنة مبتسمة، وكلها صور تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
هذه الصور التي تصور الألمان ”العاديين“ الذين يدعمون حزب البديل من أجل ألمانيا هي نموذج لكثير من المحتوى الذي تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي لصالح حملة حزب البديل من أجل ألمانيا الدعائية.
لكن الحزب لا يستخدم هذه التقنية فقط لتصوير مؤيديهم، إذ يستخدم المحتوى الذي يتم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي لإحياء وعده بإعادة البلاد إلى زمن مثالي أفضل، ومنع ما يعتبره مستقبلًا مظلمًا ناتجًا عن زيادة الهجرة.
ويقول ماركوس بوش، الباحث في جامعة هامبورغ للعلوم التطبيقية: ”بالنسبة لحزب البديل من أجل ألمانيا، تعمل المقاطع التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي كآلات حنين إلى الماضي ومضخمات عاطفية مبتذلة مع صور تشير إلى جماليات تاريخية من القرنين التاسع عشر والعشرين‘.
ويوضح مقطع فيديو من فرع حزب البديل من أجل ألمانيا في ولاية براندنبورغ شرق ألمانيا، نُشر قبل الانتخابات المحلية بالولاية في الخريف الماضي، هذا الأمر جيدًا، من خلال مشاهد العودة إلى عصر ذهبي مفترض.
وفي المقطع، يقول الراوي على خلفية صور من عصر قديم: ”كان لأجدادك موطن في براندنبورغ؛ هنا حيث اصطحب جدك جدتك للرقص، وحيث ذهبت والدتك إلى روضة الأطفال، وحيث بنى جدك منزله".
تلسكوب إلى المستقبل
ثم ينقطع المشهد المفعم بالمشاعر فجأة، ليعرض لقطات مظلمة ذات مظهر مشؤوم تهدف إلى تصوير مستقبل ألمانيا الصعب إذا لم يصل حزب "البديل" إلى السلطة.
في هذه اللقطات، يجمع كبار السن الألمان الزجاجات البلاستيكية لتغطية نفقاتهم أو ينظرون بيأس إلى محافظهم الفارغة، وتسير النساء في الشارع مرتديات البرقع.
قادة حزب البديل من أجل ألمانيا منفتحون بشأن طريقة استخدامهم للتكنولوجيا، إذ قال كلاينفيختر إنه لن يصف نهج حزب البديل من أجل ألمانيا بأنه آلة حنين إلى الماضي بل ”تلسكوب إلى المستقبل“.
ومضى قائلا: ”لا يتعلق الأمر بقول شيء سلبي عن مجموعة معينة أو شخص معين أو شيء من هذا القبيل.. ليس هذا هو الهدف، بل الهدف هو أن نضع إصبعنا على النقطة المؤلمة ونقدمها بصريًا.“
صحوة المؤيدين
ولا يمثل استخدام مسؤولي الحزب للذكاء الاصطناعي سوى جزء صغير من الجهود في هذا الصدد حيث ينشر المستخدمون والمؤثرون المؤيدون للبديل من أجل ألمانيا، محتوى داعمًا عبر "تيك توك" و"إنستغرام" و"فيسبوك" و"إكس".
وقال بوش: ”هناك جيش كامل من المعجبين ينخرط في محاولة دعائية تشاركية بعيدة المدى وفعالة“، موضحا: ”يتم تضخيم الرسائل وشحنها عاطفيًا من خلال تعديلات الذكاء الاصطناعي".
ينشر المستخدمون المؤيدون لحزب البديل من أجل ألمانيا، كل شيء بدءًا من الفتيات الشقراوات اللاتي يرتدين ألوان حزب البديل من أجل ألمانيا، ويتحركن في بحر من الأعلام الألمانية، إلى مقاطع الفيديو المزيفة لساسة من الأحزاب الأخرى، وهم يقبلون بعضهم بعضًا أو يدخلون السجن.
حتى أن بعض المستخدمين قد أنشأوا حسابات كاملة بالذكاء الاصطناعي لتعزيز الحزب. أحد الحسابات، ويُزعم أنها امرأة تُدعى لاريسا واغنر، ينشر صورًا تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي لامرأة جذابة ذات شعر بني إلى جانب عبارات مؤيدة لحزب البديل من أجل ألمانيا ومناهضة للهجرة.