برحيل المغفور له، بإذن الله، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان،
فقدت الإمارات والأمتان العربية والإسلامية زعيماً جليلاً كرس حياته لخدمة الإمارات وشعبها، فكان رحمه الله السند والعضيد لمؤسسي الاتحاد، فمنذ البدايات اضطلع بمسؤوليات جسام لتبرز حكمته في كل ما قام به في سبيل نهضة الدولة وتقدمها.
تودع الإمارات قائدها وفقيدها الكبير وابنها البار، وهي تستذكر مسيرته الخَيِّرة وأعماله الجليلة، وتاريخه الحافل بالإنجازات في جميع مواقع المسؤولية التي تولاها على مدى 50 عاماً من العمل العام، إذ يندر أن تجد قطاعاً في الدولة لم يكن للمغفور له الشيخ خليفة بن زايد بصمة فيه مثل المؤسسات الاقتصادية والاستثمارية وتطوير البنية التحتية وغيرها الكثير من القطاعات التي أولاها جُل اهتمامه وشهدت نهضة تحاكي في رقيها ومستوياتها الدول المتقدمة.
ومنذ أن تسلم الراحل الكبير مقاليد الحكم رئيساً لدولة الإمارات العربية بعد رحيل القائد التاريخي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، تميزت فترة حكم سموه بمواصلة النهج الحكيم الذي اختطه للإمارات القائد المؤسس، ليواصل الشيخ خليفة مسيرة العمل والإنجاز بكل أمانة فكانت مرحلة التمكين التي قادها مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بحكمة كبيرة وطموح نحو آفاق جديدة أضافت إلى الدولة المزيد من الازدهار والرقي، مستنداً في ذلك إلى ما حققته الإمارات في مرحلة التأسيس التي قادها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وهنا استذكر ما قاله، رحمه الله، في خطاب التمكين في الذكرى الرابعة والثلاثين لاتحاد دولة الإمارات العربية في العام 2005 حيث قال «إننا اليوم، على مشارف مرحلة جديدة غايتها تكريس مبادئ سيادة القانون وقيم المساءلة والشفافية وتكافؤ الفرص، وتحقيقاً لهذا فإن المرحلة الجديدة تتطلب إعادة بناء وإعادة ترتيب وإعادة تأهيل للنظم والهياكل الحكومية القائمة، من حيث بنيتها ووظيفتها»، لتنطلق في عهده مرحلة عنوانها عدم الركون لما تحقق بل المحافظة عليه والسير قدماً نحو آفاق جديدة من الازدهار والتقدم في كافة أوجه الحياة وقطاعات العمل.
وبما امتلكه من رؤية سديدة وخبرة طويلة في مختلف مفاصل العمل العام وضع المغفور له الشيخ خليفة بن زايد بصماته في برنامج التمكين السياسي الذي أطلقه رحمه الله في العام 2005 فكانت أول انتخابات للمجلس الوطني الاتحادي ضمن برنامج التمكين الذي كان هدفه تمكين أبناء الوطن وإشراكهم في صناعة مستقبل الإمارات.
ولأن الإنسان لطالما كان أولوية الإمارات وقيادتها كانت المشاريع التنموية التي تستهدف رفاهية الشعب وتقديم أفضل الخدمات له محل اهتمام ورعاية الشيخ خليفة، رحمه الله، حيث توسعت المشاريع الكبرى في كافة أرجاء الدولة وإماراتها، فقد كان سموه حريصاً على أن يعيش كل مواطن بمستوى يليق بالمكانة التي حققتها الإمارات في مختلف المجالات والقطاعات.
وواصل سموه نهج الوالد المؤسس فيما يتعلق بالوقوف مع الأشقاء والأصدقاء فكانت المساعدات التنموية الإماراتية عنواناً رئيسياً من عناوين الأجندة الوطنية، فقد آمن سموه بأهمية مساعدة الغير وإيصال العون لكل مَن يحتاج إليه دون النظر لخلفيات دينية أو عرقية أو جغرافية، فالإنسان أينما كان بقي محل اهتمام المغفور له الشيخ خليفة استمراراً لنهج الإمارات الذي تبنته منذ عهد مؤسس الاتحاد، وقلما تجد منطقة في العالم لم تصلها المبادرات الخيرية والإنسانية التي أطلقها الشيخ خليفة منذ تسلمه مقاليد الحكم.
كما كان العمل الخليجي والعربي أحد أبرز اهتمامات المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، وذلك إدراكاً منه بأن التعاون والعمل المشترك هو السبيل الأفضل لمواصلة التنمية واستقرار المنطقة، حيث عمل سموه على تكريس الدور الإماراتي الداعم للقضايا العربية والإسلامية، إلى جانب العمل مع مختلف دول العالم بما يخدم مصالح الإمارات والمنطقة ليرسخ الدور المحوري للإمارات إقليمياً وعالمياً ويعزز مكانتها مركزاً اقتصادياً واستثمارياً.
ويسجل للشيخ خليفة بن زايد أنه قاد الإمارات في فترة مرت فيها منطقتنا بظروف قاسية وصعبة عنوانها الاضطراب وعدم الاستقرار وانتشار الفوضى في العديد من الدول، إلا أنه قاد سفينة الوطن بكل حنكة ودراية لتعبر الإمارات هذه المرحلة بمزيد من الإنجاز والتنمية وهي أكثر استقراراً وأماناً، ولم تقف عند ذلك بل كانت عوناً وسنداً للأشقاء ودعمهم لمواجهة التحديات، فقد لعبت الإمارات في تلك المرحلة دوراً متقدماً في الذود عن أمن واستقرار دول المنطقة، وحمايتها من شرور الفوضى.
ومن خلال عملي تحت قيادة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد خلال السنوات الماضية سواء في برنامج التمكين السياسي أو انتخابات المجلس الوطني الاتحادي أو وزارة الخارجية استذكر مناقب سموه ومسيرته الوطنية بكل اعتزاز، فقد كان مثالاً للقائد الذي يؤمن بأن العمل من أجل بلاده ومصالحها شرف لا يضاهيه شرف، مؤمناً بأن النجاح بوصلته العمل بإخلاص وتفان بعيداً عن الأضواء، فقد كان يدرك رحمه الله أن العمل المؤسسي هو الوسيلة الأنجع لمواصلة عملية التطوير والتحديث.
ولعل أبرز ما يميز الراحل الكبير تواضعه ورحمته ورعايته وحرصه على كل ما يهُم المواطن وتطور الوطن، متابعاً كافة التفاصيل التي تتعلق بحياة الناس وشؤونهم، وتوجيه المسؤولين نحو توفير كافة السبل التي تكفل الحياة الكريمة لشعبه، فكان الأب والأخ لكل من يعيش على هذه الأرض المباركة.
ولأن سجايا سموه ومناقبه تميزت بالرحمة والمحبة والتواضع كانت الإمارات في عهده عنواناً من عناوين التسامح والتآلف والعيش المشترك، وانطلقت منها الكثير من المبادرات والبرامج التي تُعلي من قيمة التآخي الإنساني والعمل المشترك لما يخدم البشرية ونهضتها، وذلك في استمرار واضح لنهج الإمارات التي تأسست على ركائز الوئام والسلام والاتحاد.
وعزاؤنا في فقيدنا الكبير أن الإمارات اليوم أكثر منعة وقوة وقدرة على مواصلة مسيرتها ونهضتها، وأن قيادتها ماضية في طريق التفوق والتقدم، مستلهمة نهج المغفور لهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، فقد حبا الله بلادنا بقيادة حكيمة طموحها الصدارة وثقتها بشعبها لا حدود لها، تتطلع دائماً لأن تبقى الإمارات في المقدمة وأن تبقى الأنموذج التنموي الذي يحتذى في تمكين الشعوب والدول.
خالص عزائنا لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولجميع آل نهيان الكرام وقيادة الإمارات وكل إماراتي ومحب للإمارات وقيادتها، ونعزي أنفسنا برحيل قائدنا، سائلين الله أن يرحمه رحمة واسعة ويدخله فسيح جناته، ونعاهد الله أن نبقى الأوفياء لمسيرة الإمارات وقيادتها الرشيدة.
الفقد كبير والمصاب جلل والشعور بالفقد يخيم على كل بيت في الإمارات مواطنين ومقيمين، وكيف لا نفقد رجلاً بحجم الشيخ خليفة وهو قائد مرحلة التمكين ورئيسنا الذي تعلمنا منه أن خدمة الوطن هي الغاية الأسمى التي نعمل جميعاً من أجلها.
رحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان إلا أن سيرته العطرة خالدة وإرثه ومناقبه وعمله المخلص في خدمة الإمارات سيبقى حياً في نفوسنا وفي تاريخنا الوطني، وسيذكره التاريخ قائداً محباً وزعيماً حفظ الأمانة وصان العهد.
نقلا عن صحيفة "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة