السعودية والإمارات في 22 فبراير.. التاريخ يعانق المستقبل
المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات على موعد مع حدثين هامين، اليوم الثلاثاء، يرتبطان بالماضي والحاضر والمستقبل ويشكلان محطات فارقة في تاريخ البلدين والمنطقة.
فاليوم الثلاثاء، تحتفل السعودية، للمرة الأولى بيوم التأسيس، بعد صدور أمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن العزيز 27 يناير/كانون الثاني الماضي بأن يكون يوم (22 فبراير/شباط) من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية باسم (يوم التأسيس) ويصبح إجازة رسمية.
ويوافق هذا اليوم ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى ، مع تولي الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية (العاصمة الأولى للدولة والتي تبعد عن مركز الرياض العاصمة حاليا 20 كيلومترًا ) منتصف عام 1139هـ (1727م).
ذكرى تعود إلى 3 قرون مضت إلا أن إحياءها، استبقته محطات مهمة، كانت شاهدة على العلاقات الأخوية التاريخية والشراكة الاستراتيجية بين السعودية والإمارات، في ظل الاهتمام الكبير من العاهل السعودي وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بالدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى.
وتجسد هذا الاهتمام في العديد من المحطات، التي كانت الإمارات داعمة لبعضها وشاهدة على محطات أخرى، لتبرز تلك المحطات خلال الاحتفاء المملكة بتلك الذكرى التاريخية الهامة، العلاقات الأخوية التي تربط السعودية ودولة الإمارات.
أحدث تلك المحطات تجسد في اختيار الدرعية عاصمة عربية للثقافة لعام 2030، بعد مصادقة وزراء الثقافة العرب في اجتماعهم السنوي الذي عقد بمدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من 19 إلى 20 ديسمبر/ كانون أول الماضي.
محطة استبقها تسجيل حي الطريف التاريخي بالدرعية بقائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" عام 2010، بدعم كامل من الإمارات.
كما تحتفي الإمارات، اليوم، بافتتاح "متحف المستقبل" في دبي، والذي يعد أيقونة معمارية هي الأجمل على وجه الأرض ومحطة جديدة لتحقيق مستقبل أفضل للبشرية .
حدثان يبدوان مختلفان، إلا أنهما يتفقان في أمور عدة، فالمملكة من خلال احتفالها بيوم التأسيس تؤرخ لمحطة مفصلية في تاريخ البلاد، قادت للحاضر المزدهر التي تشهده المملكة حاليا، والمستقبل الزاهر التي ينتظرها، بقيادة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
والإمارات تفتتح "متحف المستقبل" مستلهمة أمجاد الماضي لاستعادة العصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية، مستهدفة تعزيز مساهمتها في مسيرة التقدم العلمي للإنسانية وبناء مستقبل أفضل للبلاد والمنطقة والإنسانية من خلال مجموعة من المسارات والمبادرات التي سيحتضنها المتحف بشكل مستمر.
حدثان يعانق فيهما التاريخ المستقبل في محطة فارقة يشهدها الحاضر في البلدين، ويتوجان علاقات أخوية تجمع السعودية والإمارات تؤكد أنهما سيكونان "معا أبدا" من أجل خير البلدين والمنطقة.
يوم التأسيس السعودي
وتشهد السعودية، احتفالات غير مسبوقة، احتفاء بيوم التأسيس، الذي كان منطلقا لتوحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية وتأسيس الدولة السعودية الأولى، وتأسيس حضارة جديدة، تجني المملكة ثمارها اليوم.
وجاء الاحتفال بعد أن أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، قبل نحو شهر، أمرا ملكيا بأن يكون يوم (22 فبراير) من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس)، ويصبح إجازة رسمية.
وأشار إلى أن اختيار هذا التاريخ يعود إلى أن "منتصف عام 1139هـ الموافق لشهر فبراير/شباط من عام 1727 هو بدء عهد الإمام محمد بن سعود وتأسيسه للدولة السعودية الأولى".
مؤسس الدولة السعودية الأولى
بدأ تأسيس الدولة السعودية الأولى مع تولي الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية منتصف عام 1139هـ (22 فبراير/شباط 1727) وكان عمره آنذاك 30 عاما (ولد في الدرعية عام 1697).
إبان تلك الفترة كانت شبه الجزيرة العربية تشهد فوضى سياسية، وكانت بلدانها وأقاليمها في فرقة وتشتت ودائمة القتال والحروب فيما بينها.
ورغم صغر سنه فإنه كان لديه حس إداري ونظرة مستقبلية لإنشاء حضارة تزدهر عبر القرون، فرفع شعار الوحدة، وبدأ بمدينته "الدرعية" ووحَّد شطريها، وجعلها تحت حكم واحد، بعد أن كان الحكم متفرقًا بين مركزين لها.
ومع بداية عهده بدأ مرحلة جديدة في شبه الجزيرة العربية، حيث وضع لبنة البناء والوحدة التي وحد معظم أجزائها، وأصبحت الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف.
وتوالت الإنجازات في عهد هذه الدولة ومنها: نشر الاستقرار في الدولة التي شهدت استقرارًا كبيراً وازدهارًا في مجالات متنوعة، والاستقلال السياسي وعدم الخضوع لأي نفوذ في المنطقة أو خارجها.
وخلال عهد الإمام محمد بن سعود الذي تُوفي عام 1765 ومن بعده من الأئمة أصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصاديا واجتماعيا وفكريا وثقافيا.
ولقد هاجر كثير من العلماء إلى الدرعية من أجل تلقي التعليم والتأليف الذي كان سائدًا في وقتها، ما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في الخط والنسخ.
استمرت الدولة السعودية الأولى 91 عاما، ولم تمضِ سوى سبع سنوات على انتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي ظلت تحكم المنطقة حتى عام 1309هــ 1891م، أعقب انتهائها فراغ سياسي وفوضى في وسط شبه الجزيرة العربية استمر قرابة عشر سنوات .
وفي الخامس من شهر شوال عام 1319هـ- الخامس عشر من يناير/كانون الثاني 1902 ، تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود، من إعادة تأسيس الدولة السعودية الثالثة بعد أن استرد مدينة الرياض ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي ويضع لبنة من لبنات الوحدة والاستقرار والنماء تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
المملكة العربية السعودية
وفي السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351 هـ الموافق التاسع عشر من شهر سبتمبر/أيلول عام 1932 صدر أمر ملكي للإعلان عن توحيد البلاد وتسميتها باسم (المملكة العربية السعودية)، اعتباراً من الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351ه الموافق 23 سبتمبر/أيلول 1932.
وتوج هذا الإعلان جهود الملك عبدالعزيز العظيمة الرامية إلى توحيد البلاد وتأسيس دولة راسخة تقوم على تطبيق أحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة، وتم تحديد 23 من شهر سبتمبر/أيلول ليصبح اليوم الوطني للمملكة، وبهذا الإعلان تم تأسيس المملكة العربية السعودية التي أصبحت دولة عظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية.
واستمر أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز لبنات البناء والاستقرار والتنمية حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حيث تتبوأ المملكة مكانة إقليمية ودولية، وثقة عالمية متينة، وتشهد إنجازات في مختلف المجالات.
إنجازات تتواصل في إطار نهضة شاملة يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وينفذها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي بث روح الشباب في أوصال الدولة بأفكاره ومبادراته وسياساته، وقاد المملكة اليوم إلى ما بات يعرف بـ"السعودية الجديدة"، التي تعد "رؤية 2030" خارطة طريق لنهضتها.
متحف المستقبل
ومن السعودية لدولة الإمارات، حيث يشهد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وعدد من كبار الشخصيات الوطنية اليوم ، الثلاثاء، افتتاح "متحف المستقبل" في دبي، والذي يعد أيقونية معمارية الأجمل على وجه الأرض ومحطة جديدة لتحقيق مستقبل أفضل للبشرية.
وكان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد أطلق في 4 مارس/ آذار 2015 مشروع "متحف المستقبل" الذي يضم مختبرات للابتكار ومتحفا دائما لاختراعات المستقبل.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أثناء إطلاقه للمشروع: "إن متحف المستقبل يمثل أحد أهم طموحاتنا المعرفية في دولة الإمارات وأحد أهم أحلامنا لأبناء الإمارات وأحد أهم ركائزنا الرئيسية لمستقبل دولة الإمارات.. هدفنا بناء أفضل منصة ابتكار في العالم".
وأكد أن "متحف المستقبل سيكون حاضنة للأفكار .. ودافعا للابتكار .. ووجهة للمخترعين والرواد من جميع أنحاء العالم.. نحن نفكر بطريقة مختلفة.. الكثيرون يتنبأون بالمستقبل.. نحن نصنعه".
وفي 3 فبراير/ شباط الجاري أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن موعد افتتاح متحف المستقبل في تغريدة قال فيها :"الإخوة والأخوات.. أجمل مبنى على وجه الأرض ستطلقه الإمارات للعالم في 22/02/2022..عام 2022 سيكون عاماً استثنائياً لدولة الإمارات العربية المتحدة بإذن الله".
وأكد محمد بن عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء في دولة الإمارات، رئيس متحف المستقبل أن "المتحف سيولد الأفكار الجديدة لمستقبل الدولة، ويثري شغف أجيال الحاضر والمستقبل بفضول العلم والمعرفة، حيث يمثل معرضا دائما لتجارب متنوعة ومتجددة حول مستقبل البشرية وأهم التقنيات التي تنتظر المجتمعات الإنسانية في العقود المقبلة، كما يمثل المتحف مركزا فكريا عالميا من نوع جديد، ويجسد الخيال البشري الحيوي الذي لا يتوقف عن الإبداع والابتكار".
وبين أن المتحف سيشكل حاضنة للمستشرفين العالميين وللنخبة العلمية والمعرفية على مستوى المنطقة والعالم، كما سيكون ميدانا لتبادل الأفكار والرؤى وخلق حراك فكري عالمي يقوم على رؤى إنسانية مبدعة وحلول مستقبلية واعدة تحول التحديات إلى فرص وتجمع العقول المبدعة والأفكار المبتكرة وتشارك في تسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة للعالم بأسره.
وأعلن أن متحف المستقبل سيطلق سلسة من الحوارات العالمية مباشرة بعد افتتاحه.
رسائل ملهمة
ويستقبل المتحف بمبناه الأيقوني الأجمل في العالم بارتفاع 77 مترا الزوار من مختلف أنحاء الدولة والعالم للتعرف على اتجاهات المستقبل وأفكار الغد والمساهمة في تصور المستقبل الذي تتطلع إليه البشرية.
وتتزين واجهة المتحف المستقبل بثلاث جمل ملهمة لبناء المستقبل للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تحمل لغة راقية وتعبر عن أهداف ثمينة، وطموحات لا حدود لها، وتلك الجمل هي: (لن نعيشَ مئاتِ السنين، ولكن؛ يمكنُ أن نبدعَ شيئاً يستمر لمئاتِ السنين، المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيّله وتصميمَه وتنفيذَه. المستقبلُ لا يُنتظَر، المستقبلُ يمكن تصميمهُ وبِناؤه اليوم، "سرُّ تجدد الحياةِ، وتطوّرِ الحضارةِ، وتقدّمِ البشريّةِ هو في كلمة واحدةٍ؛ الابتكار).
وتم اختيار الخط العربي لتزيين واجهة متحف المستقبل تجسيدا لرؤية المتحف في المساهمة النوعية والفاعلة في استئناف الحضارة العربية، في عصرها الذهبي، التي صدرت علومها ومعارفها للبشرية بلغة الضاد، وفي رسالة واضحة بأن الخط العربي، ليس جزءا من تراثنا فحسب، ولكنه عنصر أساسي لمستقبلنا أيضًا.
رسائل وأهداف تُنبئ أن متحف المستقبل سيكون معلما حضاريا يُعيد أمجاد بيت الحكمة في بغداد، الذي يعد أول دار علمية أقيمت ببغداد في عمر الحضارة الإسلامية، وقد تأسس في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن الثاني الهجري، وكان له أثر عظيم في تطور الحضارة الإسلامية لقرون، كما كان المحرك الأول لبدء العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وأسهم إسهامات كبيرة في مجالات الطب والهندسة والفلك.