فرار الداعشيات من مخيمات سوريا.. حيل تبدأ بتبرعات
مخيم "الهول" مترامي الأطراف يضم نحو 70 ألفا من النساء والأطفال، إضافة إلى نحو ألفين في مخيم "روج"
كشفت صحيفة بريطانية أن عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي ينتهجون حيلا مبتكرة لتهريب المحتجزات في مخيمات سوريا، وسط تحذيرات خبراء غربيين.
وقالت صحيفة "تليجراف" إن عناصر التنظيم يهربون بريطانيات ينتمين لداعش من معسكرات الاحتجاز، شمال شرقي سوريا، حيث قام البعض بجمع الأموال عبر الإنترنت لتمويل المزيد من عمليات الفرار.
وبعد رصد أنشطة المتطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت الصحيفة إن بريطانية واحدة على الأقل من بين العديد من أنصار "داعش" الأوروبيين الذين فروا من مخيم "الهول"، الذي تشرف عليه قوات سوريا الديمقراطية للوصول إلى إدلب.
وفي مقطع فيديو نُشر مؤخرا على قنوات "تلجرام" وصفحات "فيسبوك" مخصصة للتمويل الجماعي لمؤيدي تنظيم "داعش" المحتجزين، حثت امرأة عرفت نفسها باسم مريم البريطانية "من المملكة المتحدة" أتباعها على التبرع بالمال.
وأشارت الصحيفة إلى أن الفيديو تم تصويره في مدينة حارم بالقرب من الحدود التركية في إدلب، حسب ما ذكر المحقق نيك ووترز من موقع "بيلينج كات" البريطاني المتخصص في الصحافة الاستقصائية واستخبارات المصادر المفتوحة.
وتحدثت المرأة عن طريقة تهريبها من مخيم احتجزت فيه لأكثر من عام بعد استسلامها لقوات سوريا الديمقراطية خلال معركة قتل فيها أطفالها، حينما استعادت القوات المدعومة من الغرب السيطرة على آخر أراضي "داعش" مارس/آذار 2019.
وقالت المرأة، التي كانت تغطي وجهها بالنقاب: "إرسالي إلى المخيمات إلى حد بعيد من أسوأ لحظات حياتي".
وتابعت المرأة، وهي تهز أصابعها التي يغطيها قفاز أسود: "ينبغي عليكم تحريرهن.. ساعدوهن وتبرعوا كل شهر للمساعدة في تهريبهن".
ومنذ مارس/آذار 2019 تُركت السجون تحت حراسة قوات سوريا الديمقراطية، وتضم ما يقرب من 10 آلاف رجل منتمين لداعش، ونحو 70 ألفًا من النساء والأطفال في مخيم "الهول" مترامي الأطراف، إضافة إلى نحو ألفين في مخيم "روج" الأصغر.
وتجاهلت العديد من الحكومات الغربية دعوات قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة لإعادة مواطنيها، تاركين النساء والأطفال في ظروف متدهورة مات فيها المئات من سوء التغذية والأمراض.
ومع تزايد أعداد المحتجزين الذين يدفعون مقابل التهريب إلى إدلب، حيث يخطط البعض في النهاية للعبور إلى تركيا، يحذر خبراء مكافحة الإرهاب من أن تركهم في طي النسيان يمثل استراتيجية خطيرة طويلة الأجل.
وبعد أن بدأت السلطات الكردية مؤخرًا في نقل النساء الأوروبيات البارزات وأطفالهن إلى مخيم "روج" ذات الحماية الأمنية الأعلى، زاد من بقوا في "الهول" من محاولات الهروب وجهود جمع التبرعات.
من جانبها، قالت فيرا ميرونوفا، وهي باحثة في جامعة "هارفارد" تتحدث إلى النساء المنتسبات إلى داعش في المخيمات: "يحاول الكثير من الناس الآن الفرار".
وفي حين أن الحدود التركية أقرب بكثير، فإن إدلب، على بعد أكثر من 300 ميل غربًا، هي الخيار الوحيد لمعظم الأوروبيين، حيث لا تسمح السلطات التركية بالعبور من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد إلا بعد مفاوضات مسبقة.
وتشير تقديرات إلى أن المهربين يتقاضون ما يقرب من 12 ألف جنيه إسترليني لتهريب عائلة إلى الخارج، فيما ذكر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي أنهم بحاجة إلى 3 آلاف يورو لتأمين هروب إحدى الداعشيات.
وفي غضون ذلك، تطلب شبكة لامركزية من حسابات التواصل الاجتماعي التبرعات عبر "باي بال" (PayPal)، وعملة "بيتكوين" المشفرة.
وتقوم العديد من الحسابات بنسخ الرسائل ولصقها عبر منصات مختلفة تشمل "تليجرام" وفيسبوك" وتويتر"، ما يجعل من الصعب على السلطات القضاء عليها.
وفي هذا الإطار، قال ليث الخوري، وهو مستشار خاص متخصص في شؤون مكافحة الإرهاب: "لقد كانت بيئة المتطرفين على الإنترنت مضطربة لفترة طويلة وأكثر من أي وقت مضى".
وأضاف: "أنجزت تلجرام الكثير من خلال تعليق هذه الحسابات، ولكن بدلاً من تقليل أنشطتها، فإنها تتوسع في تطبيقات جديدة ثم تعود إلى تلجرام بحسابات احتياطية".
وتشكل آلاف المنشورات باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية ولغات أوروبية أخرى شبكة منفصلة عن شبكة أكبر بكثير ناطقة بالروسية من مؤيدي تنظيم "داعش".
ومن بين الهاربين إرهابيون بارزون، حيث ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن حياة بومدين، أرملة عميدي كوليبالي، الذي نفذ هجمات باريس يناير/كانون الثاني 2015، هربت من مخيم "الهول" ويعتقد أنها في إدلب.
وحذر الخوري من أن عمليات الهروب وما يرتبط بها من جمع الأموال تقوض استراتيجية مكافحة الإرهاب، مضيفا "أي شيء من شأنه تعزيز الأجندة الإرهابية، سواء على صعيد الأيديولوجيا أو الممارسة ينبغي أن يكون مصدر قلق للجميع".
في نفس السياق، قال رافايللو بانتوتشي، الباحث في "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" للدراسات الأمنية والدفاعية، إن قرار ترك النساء المنتميات إلى داعش وأطفالهن في سوريا ربما يبدو مناسبا سياسيا، لكنه يناسب كذلك وحدات مكافحة الإرهاب التي تعاني من ضغوط الموارد.
وأضاف "بالنسبة لقوات الأمن (الغربية) أعتقد أن هذا يجعل حياتهم أسهل بطريقة ما"، لأن العودة إلى الوطن ستتطلب محاكمات وعمليات مراقبة مكلفة، لكن "هذا التكتيك قصير المدى هو استراتيجية سيئة على المدى الطويل".
وحذر من أن "الشيء المقلق هو أنه كلما تركناهم عالقين في طي النسيان لفترة أطول، ومع وجود الأطفال، كلما زاد تطرّفهم وزاد التهديد الذي قد يشكلونه".
واختتم بالقول: "إما أن تجد طريقة لتقديمهم إلى المحاكمة هناك (في سوريا) وإما تعيدهم إلى بلادهم وتحيلهم إلى المحكمة وتحاكمهم هنا، وهذا بدلا من أن يجري تهريبهم إلى الخارج وفي غضون سنوات قليلة يعلم الله أين يمكن أن يظهروا".