سيلفيا رافائيل.. «عميلة الموساد» التي كشفتها «جريمة خطأ»
في 8 أكتوبر/تشرين الأول 1965، قدم رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي خطة لاغتيال عدة قادة فلسطينيين بارزين في بيروت باستخدام قنابل بريدية.
وقال رئيس الموساد، مئير عميت، وفقًا لنصوص الاجتماع مع رئيس الوزراء ليفي أشكول، آنذاك، التي اطلعت عليها صحيفة «نيويورك تايمز»: «ستقوم امرأة بذلك»، موضحًا أن «العميلة ستسافر إلى بيروت لتضع القنابل في صندوق بريد هناك».
وأضاف عميت في اجتماع لاحق أن المرأة هي عميلة للموساد تحمل جواز سفر كنديا وتعمل مصورة لوكالة أنباء.
كانت العميلة هي باتريشيا روكسبورو (اسمها الحقيقي سيلفيا رافائيل)، التي تحولت إلى وجه معروف في جميع أنحاء العالم عندما ألقي القبض عليها كجزء من فريق موساد كان يخطط لاغتيال مسؤول فلسطيني آخر في النرويج، ولكنهم قتلوا الرجل الخطأ.
اختيار باتريشيا روكسبورو
ولدت روكسبورو عام 1937 في جنوب أفريقيا لأب يهودي وأم غير يهودية، لكنها كانت تمتلك ولاءً قويًا للشعب اليهودي، وهاجرت إلى إسرائيل، حيث بدأت حياتها كمعلمة قبل أن يتم اكتشافها وتجنيدها من قبل الموساد.
وقال موتي كفير، قائد أكاديمية عمليات الموساد السرية آنذاك: "كانت سيلفيا شخصية مميزة، لديها موهبة استثنائية في تكوين العلاقات مع أي شخص وجعلهم يشعرون أنهم أصدقاؤها المقربون".
تغطية مصورة متقنة
وخلال تدريبها، برزت موهبتها في التصوير الفوتوغرافي، ما جعلها تحصل على غطاء مثالي كصحفية يمنحها أوراق اعتماد للتنقل في دول يصعب على الإسرائيليين دخولها.
وقد خضعت لدورة مكثفة في التصوير مع أحد أفضل المصورين في إسرائيل، وتم إرسال ملف أعمالها إلى وكالة دالمس الفرنسية.
وقال كفير: "هكذا تشكلت قصة الغطاء: تعيش في باريس، ومن هناك تنطلق في مهمات إلى جيبوتي أو الأردن أو لبنان".
نهر الزمن
وفي مذكراته "نهر الزمن"، كشف الصحفي البريطاني والخبير في شؤون الشرق الأوسط، جون سوين، عن تعرضه للخداع على يد عميلة موساد إسرائيلية كانت ناشطة في الشرق الأوسط، زارت مصر واستقبلها صدام حسين وسعت خلف القذافي.
وروى الصحفي البريطاني أن المرأة - روكسبورو - كانت تتحدث كثيرًا عن الشرق الأوسط وتبدي إعجابًا خاصًّا بالعقيد معمر القذافي، الزعيم الليبي الذي كان قد اقتنص السلطة في البلاد قبل وقت قصير.
وأضاف أنها "أرادت أن تذهب معي إلى العاصمة الليبية طرابلس كمصورة لي، حيث كنت أود إجراء مقابلة مع القذافي، وأن تلتقط الصور".
وأشار سوين إلى أنه أدرك بعد بضع سنوات أن روكسبورو لديها دوافع خفية، وأنها ربما كانت تخطط للقيام بمحاولة اغتيال للقذافي، علاوة على أنها كانت مصورة صحفية مزيفة!
وذكرت تقارير عبرية أن عميلة الموساد زارت القاهرة بصفة مراسلة صحفية خلال حرب أكتوبر، وكانت حاضرة في بيروت بعد فترة قصيرة من محاولة اغتيال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأنها تواصلت مع قادة حركة فتح، واستُقبلت بقصر صدام حسين في العراق.
حياة مزدوجة
كانت الصور التي التقطتها روكسبورو تغطي حياتها كجاسوسة ومصورة. كان من بين الصور التي التقطتها لزعماء إقليميين الرئيس المصري جمال عبدالناصر وخلفه أنور السادات والملك حسين، دون أن يدركوا أن من يلتقط الصور لهم هي عميلة موساد.
كما تضمنت صورها مشاهد من الحياة اليومية في لبنان والأردن، إضافة إلى صور لمشاهير هوليوود مثل داني كاي، ويول براينر، وفانيسا ريدغريف، وإيلي والاش.
جريمة النرويج تكشف حقيقتها
وانكشفت شخصية العميلة الإسرائيلية في فضيحة مدوية جرت بمدينة ليلهامر النرويجية عام 1973، حين ارتكبت مجموعة من عملاء الموساد، كانت بينهم روكسبورو، خطأ ساذجًا بقتل نادل مغربي يدعى أحمد بوشيخي، ظنًّا منها أنه القيادي الفلسطيني علي حسن سلامة.
واعتقلت الشرطة النرويجية "باتريشيا روكسبورو" وأعضاء آخرين في مجموعة الاغتيال التابعة للموساد، وتبين أن اسم العميلة الحقيقي هو سيلفيا رافائيل.
ووجهت حينها السلطات القضائية النرويجية إلى سيلفيا رافائيل، في 1 فبراير/شباط 1974، تهم القتل والتجسس واستخدام جواز سفر مزيف، وحكم عليها بالسجن لخمس سنوات ونصف.
وبعد مرور 15 شهرًا، أطلقت السلطات النرويجية سراح سيلفيا في مايو/أيار 1975 وقامت بطردها من البلد، إلا أنها تزوجت محاميها وعادت للإقامة هناك عام 1979، حتى غادرت عام 1992 إلى مسقط رأسها في جنوب أفريقيا.
وتوفيت عميلة الموساد بمرض سرطان الدم في بريتوريا عام 2005 عن عمر ناهز 68 عامًا، ونظمت لها الحكومة الإسرائيلية جنازة رسمية عسكرية بأعلى مرتبة بعد أن نقل جثمانها إلى إسرائيل لدفنها هناك.