"عملية دانكرك".. ركاكة واستنساخ سينما الماضي
"عملية دنكرك" فيلم ركيك في إنتاجه ومواقفه الدرامية المستنسخة من أفلام الماضي.
عندما نشاهد فيلما يحمل في عنوانه اسم "دانكرك"؛ سيُخيل لنا أننا أمام فيلم آخر يجسد عملية إجلاء القوات الإنجليزية من تلك المدينة الفرنسية الشهيرة التي حاصرتها فيها قوات النازي، تلك العملية الشهيرة التي عرفت باسم "دينمو"، خاصة أن هناك فيلما آخر خرج في العام نفسه (2017) للمخرج الإنجليزي الأمريكي (كريستوفر نولون) يحمل اسم تلك المعركة الشهيرة، وقد أثار العديد من الجدل حوله. لكنك للوهلة الأولى تكتشف أن فيلم "عملية دانكرك" من إخراج "نيك ليون"، ذلك المخرج الأمريكي الذي تذخر سيرته الذاتية بالعديد من أفلام الموتى الأحياء "الزومبي"، لا علاقة له بأحداث إجلاء القوات البريطانية من الأراضي الفرنسية، وأن العنوان ليس سوى حيلة للاستفادة من خروج فيلم كريستوفر نولون الذي حقق نجاحا ملحوظا.
يبدأ الفيلم بعملية تعذيب يقوم بها ضابط ألماني من فريق (إس إس) النازي الشهير لرجل مسن، لندرك أنه ليس سوى عالم ألماني يتم تعذيبه ليبوح بسر معادلة رياضية ستسمح بصناعة الاختراع الرهيب المسمى "الرادار"، الذي يمكنه كشف قدوم طائرات العدو في الجو من على مسافات. نحن نعرف طبعا أن الرادار هو ابتكار بريطاني، لكن الفيلم الذي يقول لنا في أفيشاته، إنه مأخوذ عن قصة حقيقية، يوضح لنا أنه اختراع عالم ألماني، لم يرغب في إعطائه لهتلر، وقرر تسليمه للبريطانيين. بالطبع مشهد التعذيب ليس سوى أحد كليشيهات أفلام الحرب الأمريكية التي انتشرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، واقترب في سذاجته لأن يكون جديرا بأفلام الرسوم المتحركة، مع الأداء المبالغ فيه. يقدم الفيلم بعد ذلك مشاهد تسجيلية لخطابات الزعيم تشرشل وهو يعلن قيام عملية إجلاء الجنود من دنكيرك، بمقولته الشهيرة: "إذا لم يكن الجنود يستطيعون العودة للوطن؛ فلنجعل الوطن يذهب إليهم لإعادتهم).
يقر العالم الألماني بأنه سلم المعادلة الرياضية لفتاة من المقاومة الفرنسية، على الجانب الآخر نشهد الجانب البريطاني يحدد مجموعة من ضابط و5 جنود للذهاب للبحث عن تلك الفتاة الفرنسية من المقاومة الفرنسية، ليستلم منها المعادلة الرياضية تلك التي ستسمح بإخراج الاختراع الجديد للنور (الرادار). وفي جو من الاشتباكات بين الحلفاء والنازي شديد الركاكة، حيث يوضح للعين المجردة، مدى تخلف المعدات التي يود صناع الفيلم إقناعنا بأنها ألمانية نازية، وهي في الحقيقة ليست الدبابات "البانزير" الألمانية الشهيرة، ولكنها بقايا دبابات "الباتون" الأمريكية التي لم ترَ النور إلا في نهاية الحرب. كما أنه كان من المضحك تمييز المعدات العسكرية من خلال وضع علم إنجلترا أو ألمانيا النازية بحجم كبير على سطح السيارات والمعدات العسكرية، وكأننا في كرنفال للمحاربين القدماء. بل إن الجنود الألمان الموجودين في فريق المطاردة للبحث عن الفتاة الحاملة لمعادلة الرادار الرياضية، كانوا قمة في الكوميديا.. مع ارتدائهم زيا عسكريا مختلفا، حيث يرتدي البعض زي المعركة، والبعض الآخر يرتدي زي الخروج (التشريفة)، بل إن المجموعة النازية كانت تضم ممثلا فوق الستين، يقدم دور مقاتل ضمن صفوف الجيش الألماني.
بجانب هذا الجو الكوميدي في اختيار الملابس والمعدات، بل الممثلين المساعدين، امتلأ الفيلم بالأكليشيهات التقليدية، التي طالما حفلت بها الأفلام الحربية الأمريكية التي أنتجت في فترة الحرب وما بعدها مباشرا؛ حيث نجد مشهد الجندي المصاب الذي يتركه زملاؤه ليوقف تقدم الجنود الألمان فيقاتل ببسالة من بعد أن ينظر لصورة زوجتها وابنته، وقد كان قد ترك لهم رسالة بريدية مع زملائه، ليموت ودمه يسيل على الصورة بعد مقتله. وكذلك مشهد إنقاذ القائد الإنجليزي لأحد جنوده من لغم ألماني معرّضا حياته للخطر، أما القائد الألماني فقد تم تصويره وكأنه مريض نفسي يتلذذ شخصيا بالتعذيب، حتى إنه من بعد حرقه ليد أحد أفراد المقاومة الفرنسية بمكواة، نجده يردد عبارة "أحب رائحة اللحم المحترق؛ فقد كان والدي يشوي لنا لحم الخنزير على الفحم عندما كنت صغيرا".
وجاء مشهد النهاية قمة في الاستخفاف بعقلية المشاهد؛ حيث نجد الجنود الإنجليز وهم يصحبون الفتاة لأرض مكشوفة ستهبط بها طائرة ستنقلها مع سر الرادار إلى لندن، محاصرين بالمئات من جنود النازي المدججين بالسلاح، ليستسلموا رافعين أيديهم، قبل أن تأتي الطائرات الإنجليزية لتمطر الأرض بوابل من الرصاص، تقتل على إثره كل جنود النازي دون أن يُصاب أي من فريق الإنقاذ الإنجليزي أو الفتاة بخدش. ولكي تكمل الصورة المستنسخة من أفلام الحرب الرومانسية القديمة، نجد الفتاة تقبل الضابط الإنجليزي قائد فريق الإنقاذ، بعد أن وقعت في حبه، قبل أن تركب الطائرة التي ستنقلها إلى لندن.. عملية دنكرك فيلم ركيك في إنتاجه ومواقفه الدرامية المستنسخة من أفلام الماضي.
aXA6IDMuMTQ0LjExNi4xOTUg جزيرة ام اند امز