فيلم Stan & Ollie.. حكاية صديقين صودف أنهما "لوريل وهاردي"
أحداث الفيلم تبدأ في العام 1937، حين لمع نجم الثنائي "لوريل وهاردي" بوصفهما من أكبر نجوم الكوميديا في العالم.
الجانب المظلم من حياة أولئك الذين ينعمون بالضوء من نجوم السينما والتلفزيون، ربما يكون الجزء الأكثر أهمية في مسيرتهم الفنية، ولعل إضاءة ذلك الجانب أفضل ما تفعله أفلام السيرة الذاتية، وهو أفضل ما فعله، بالفعل، المخرج جون س. بيرد والكاتب جيف بوب في فيلمهما "Stan & Ollie" الذي يؤرخ للسنوات الأخيرة من الحياة الفنية للثنائي الكوميدي الشهير ستان لوريل وأوليفر هاردي المعروفين باسم "لوريل وهاردي".
يبدو فيلم "Stan & Ollie"مشغولاً بالبحث عن أجوبة للسؤال الأهم في علاقة الاثنين، ومفاده:
" لقد عرفنا لوريل وهاردي معاً في الشاشة وعلى المسرح، فهل كان ستان لوريل وأوليفر هاردي معاً حقاً في كواليسهما، أم جمعهما منتجو أعمالهم الفنية، وتالياً بات حضورهما معاً إجبارياً تحت ضغط رغبة الجمهور، وضرورة تقتضيها الأسباب التسويقية..؟".
بالنسبة لمن يعرفون تناقضات الوسط الفني، ذلك هو سؤال إشكالي ومشروع، إذا لطالما اكتشفنا أن الثنائيات المنسجمة في الشاشة هي غير ذلك في كواليسها، وبالتالي ملاحقة علاقة ستان لوريل وأوليفر هاردي بعيداً عما قدماه فنياً، من شأنه كشف طبيعة هذه العلاقة، وكيف إذا كان السؤال يبحث عن أجوبته في أكثر الأوقات صعوبة في حياة الثنائي المهنية؟
تبدأ أحداث الفيلم في العام 1937، حين لمع نجم الثنائي "لوريل وهاردي" بوصفهما من أكبر نجوم الكوميديا في العالم، وذلك بعد سلسلة تجارب فنية ناجحة، في هذا الوقت سيطالب لوريل (ستيف كوجان) منتج أعمالهما "هال روش" (داني هيوستن) برفع أجورهما، كونه يعطيهما أقل بكثير من الأجور التي يتقاضاها تشارلي شابلن وغيره من نجوم الكوميديا، وأمام تعنت ستان يقرر المنتج التخلي عنه، فيما يضطر هاردي (جون سي رايلي) البقاء مع المنتج لأسباب مالية، وبالتالي العمل في أحد الأفلام بعيداً عن لوريل.
بعد 16 عاماً، ستبدأ أحداث الفيلم الفعلية في العام 1953، حيث يتتبع الفيلم الثنائي لوريل وهاردي في جولتهما الشهيرة في بريطانيا، بحثاً عن فرصة لاستعادة بريق نجوميتهما مع تقدمهما في العمر والعودة لمواصلة مشاريعهما الفنية بعد ضمان تمويل فيلمهما عن "روبن هود".
ويكشف الفيلم صعوبة تلك الأيام، وما عصف بحياة الاثنين من مشاكل في ذلك الوقت، فمن حالة الإهمال التي وجداها في بداية جولتهما الفنية، مروراً بتقديم عروضهما في مسارح بريطانية وقاعات موسيقية شبه فارغة، واضطرارهما تالياً إلى تقديم أعمال دعائية لا تليق بتاريخهما الفني لتعزيز مبيعات التذاكر، واستقطاب جمهور عريض لعروضهما، ورغم نجاحهما في ذلك فإنهما لا ينجحان في دفع منتج بريطاني لتمويل فيلمهما.
مع وصول زوجتي لوريل وهاردي إلى بريطانيا، وغياب الانسجام بين الاثنتين، سيدخل الثنائي الكوميدي في نفق نبش الماضي المظلم، حيث يشعر لوريل بأن هاردي خان صداقتهما قبل 16 عاماً حين رضي لخضوع المنتج "هال"، والعمل بدونه، فيما يرى هاردي أنه لا صداقة حقيقية تجمعه مع لوريل، ورغم أن هذا الأخير يؤكد أنه يحبه، يصر هاردي أن لوريل أحب ثنائيتهما التمثيلية لا الشخصية.
سرعان ما يزيح مرض هاردي سوء التفاهم بين الاثنين، وتكون أزمته الصحية سبباً ليتعرف كل منهما على الآخر، وأن صداقتهما والحب بينهما راسخ، وما بدر من كلام في لحظة غضب كان مجرد هذيان لا معنى له، ومع التحسن النسبي لصحة هاردي، سيعود الصديقان أكثر ترابطاً من قبل، ويواصلان عملهما ونجاحاتهما في المسارح البريطانية.
ينجح سيناريو فيلم "Stan & Ollie" على نحو مؤثر في مقاربة موضوعات مثل الصداقة ومقاومة الفنان لجفاء العمر وإهمال المنتجين والجمهور في آخر العمر، ولكن مقاربته الأذكى ستكون بطرحه لواحدة من القضايا الأكثر إشكالية في حياة فناني الكوميديا، حين نكتشف أن خلف الابتسامات التي يرسلها هؤلاء يختفي الكثير من الوجع، وأن هناك حداً فاصلاً بين الكوميديا والمأساة في حياتهما لا يدركه الجمهور، ففي حفل الاستقبال الذي أقيم على شرف لوريل وهاردي، سيصفق عدد من الضيوف لاحتدام النقاش بين الاثنين ويضحكون لغضبهما، من دون أن يدور ببال أحدهم أن الاثنين يتخاصمان وأنهما على وشك تدمير علاقة جميلة دامت لعقود بينهما.
ولا تكمن قوة فيلم "Stan & Ollie" فقط في سعيه لالتقاط حصاد هذه المسيرة الفنية الكامن في صداقة الثنائي لوريل وهاردي واختبار تلك الصداقة في أيامهما الأخيرة الصعبة، وتتبع "قصة حب بين صديقين قديمين صودف أن يكونا اثنين من أكثر الشخصيات الكوميدية شهرة في تاريخ هوليوود" على حد تعبير مخرجه جون س. بيرد، وإنما في استثمار هذا الأخير لنجوم فيلمه، سواء لقدرات الثنائي الذي أدى الشخصيات التمثيلية ستيف كوجان وجون سي رايلي، أو للمكانة الأثيرة في قلوب الناس للثنائي التمثيلي ستان لوريل وأوليفر هاردي اللذين يروي الفيلم حكايتهما.
وفي الفيلم يقدم ستيف كوجان وجون سي رايلي أداء لافتاً، وقد أبديا شغفاً عالياً في أداء شخصيتهما بالاشتغال عليهما من الداخل، كان التجسيد الحرفي للشخصيتين الحقيقيتين آخر ما فكر به كوجان ورايلي، فبدا الماكياج والأزياء ولاسيما قبعات الثنائي الشهير جزءاً ثانوياً في تجسيد شخصيتي لوريل وهاردي، إذا ما قورن الأمر باعتمادهما على لغة الجسد وعفوية تصرفاته وتشنجاته النفسية.
كل ذلك يجعل من فيلم "Stan & Ollie" مساحة من الحب، الذي يخالطه الفرح كما الوجع، ولكنه يبقى راسخاً في كل مرة وثابتاً.. وهو مثال أيضاً لمعنى أن تقدم سيرة ذاتية مؤثرة، وتحترم المتلقي في الوقت نفسه، وذلك بأن تختار من حياة من تروي سيرته، ما يجعل هذه السيرة ذات عبرة وفائدة.
aXA6IDE4LjIyNi4xNy4yNTEg جزيرة ام اند امز