هناك نقطة مهمة في القرار الأخير، وهي أن الأمين العام للأمم المتحدة مطالب بتقديم تقرير حول الاستيطان كل ثلاثة أشهر.
بغض النظر عن ملابسات وكواليس القرار رقم 2334 الصادر عن مجلس الأمن بخصوص الاستيطان الذي أحدث ضجة إعلامية ، وهزّ أركان الحكم والأحزاب «الإسرائيلية» التي تبادلت التهم والمسؤوليات، إلا أنه كان يوماً مميزاً بالنسبة للفلسطينيين الذين حبسوا أنفاسهم حتى لحظة التصويت عليه وأطلقوا عليه اسم «منسف» نسبة إلى الحروف الأولى لأسماء الدول التي تقدمت به إلى مجلس الأمن ، وهي ماليزيا ونيوزيلندا والسنغال وفنزويلا. لكن هذا القرار هو الخامس الذي يتخذه مجلس الأمن بهذا الشأن، ففي خلال عامي 1979 و1980 اتخذ المجلس أربعة قرارات مشابهة تحمل الأرقام 446 و452 و465 و478، لكن «إسرائيل» لم تلتزم بأي منها ، وطلب مجلس الأمن في حينه السماح لرئيس بلدية الخليل المرحوم فهد القواسمي للمثول أمام لجنة دولية ليدلي بشهادته حول الاستيطان ، لكن «إسرائيل» منعته من السفر بل قامت بإبعاده لاحقاً هو ورئيس بلدية حلحول.
أهمية القرار الأخير تتلخص في عدة نقاط:
أنه أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية بعد تراجعها على جدول المجتمع الدولي، بسبب الأزمات التي تمر بها أغلبية دول العالم ، سواء فيما يخص الإرهاب أو الحروب أو الأزمات الاقتصادية. ورفع القرار من معنويات الفلسطينيين بعد أن سئموا التجاهل الدولي لقضيتهم.
وهناك أيضاً في بنود القرار ما يتيح للفلسطينيين البناء عليه، وهو توسيع رقعة المقاطعة الدولية للمستوطنات وإنتاجها ووقف الاستثمارات من قبل شركات دولية في مشاريع صناعية أو زراعية في المستوطنات أو القدس الشرقية، وكانت «إسرائيل» بدأت حملة إعلامية وضغوطاً على شركات ونقابات عمالية وأكاديمية لإنهاء المقاطعة بدعم من الكونغرس الأمريكي، لكن القرار الأخير لمجلس الأمن يوصي بعدم تقديم أي مساعدة ل«إسرائيل» تستخدم في الاستيطان، ومطالبة الدول بالتمييز بين «إسرائيل» والمستوطنات. فالقرار يعتبر الاستيطان غير شرعي جملة وتفصيلاً، وهذا يشمل القدس المحتلة سنة 1967، كما أنه ثبّت الحدود وفق حدود الدولة الفلسطينية أي الأراضي المحتلة سنة 1967 ما يعني تراجع بعض المقولات الأمريكية التي كانت تصف الأرض المحتلة بأنها أراض متنازع عليها وفقاً لطروحات الوزير جون كيري في اقتراحاته للحل المؤقت الذي رفضه الفلسطينيون، وهو ما يتناقض مع موقف إدارة جورج بوش التي اعترفت بأن حدود الدولة الفلسطينية هي حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية، وتركت الوزيرة كونداليزا رايس ملخصاً لموقفها وما جرى في مفاوضاتها قبل تركها منصبها لخليفتها الوزيرة هيلاري كلينتون، لكن الأخيرة تجاهلتها وتبنت الموقف «الإسرائيلي» بالكامل.
وهناك نقطة مهمة في القرار الأخير، وهي أن الأمين العام للأمم المتحدة مطالب بتقديم تقرير حول الاستيطان كل ثلاثة أشهر، ما يفتح المجال لمراقبة التوسع الاستيطاني أولاً بأول، ويضع أمام مجلس الأمن مسؤولية وضع آلية للمراقبة، وكذلك فتح المجال أمام التظلمات الفلسطينية اليومية من الممارسات الاستيطانية، وهذا يبقي الاستيطان في موقع المساءلة الدولية على الدوام.
الجانب الفلسطيني فهم من تصريحات وتحركات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أنه سيمضي قدماً في سياسة بلاده التي تغض الطرف عن الاستيطان، بل سينتقل إلى دعمه باختياره لمتطرف يهودي أمريكي كي يكون سفيراً وهو ديفيد فريدمان المؤيد لنقل السفارة إلى القدس، وهو أيضاً «رئيس جمعية أصدقاء مستوطنة أرييل» كبرى المستوطنات في الضفة الواقعة جنوبي نابلس، كما أن مستشارة ترامب وهي كليان كونوي أكدت للصحف «الإسرائيلية» أن نقل السفارة على رأس أولويات ترامب، وبموقف مسبق كهذا لا يبقى هناك إمكانية لمنح ترامب فرصة ريثما يتولى مقاليد الحكم، لذا ضغط الفلسطينيون لاغتنام الفرصة بعد تعهد من كيري بالامتناع عن التصويت لكي يكون عنصر عرقلة لنقل السفارة والاستيطان ككل وبادرة أخيرة هي الأولى الحسنة من إدارة أوباما تجاه الفلسطينيين.
قرار مجلس الأمن فتح الطريق أمام فرنسا للمضي قدماً في الإعداد للمؤتمر الدولي لبحث سبل استئناف المفاوضات، وكانت فرنسا تواجه صعوبات في إقناع بعض الدول بالمشاركة، لكنها نجحت في إقناع سبعين دولة ، وهذا يكفي لعقد المؤتمر المتوقع أن يلتئم خلال شهر يناير. وبالطبع ستكون هناك مشاركة أمريكية إذا عقد قبل تولي ترامب مهامه، لأنه توعد الأمم المتحدة بإجراءات لم يفصح عنها بعد العشرين من يناير.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة