بالرغم من تعدد المدارس فى علوم التنمية. فانهم أجمعوا على خلاصة أساسية: التخلف ليس نقص الموارد الطبيعية.
شعار «نعم نستطيع» ـ الذى يذكرنا بحملة أوباما الانتخابية منذ 9 سنوات ـ هو الآن أساس مؤتمر «علماؤنا فى الخارج» الذى انعقد فى الغردقة منذ نحو أسبوعين. السؤال الرئيسى هو كيف يتحول هذا المؤتمر المهم من مشروع أو خطوة يتيمة الى برنامج عمل. ياحبذا أن يكون هذا موضوع مناقشة واجتهاد عام لأنه يستحق. وأبدأ بتقديم خمسة مقترحات.
بالرغم من تعدد المدارس فى علوم التنمية. فانهم أجمعوا على خلاصة أساسية: التخلف ليس نقص الموارد الطبيعية. اليابان فقيرة، بينما الكونغو أو نيجيريا غنية، التنمية هى كيفية استغلال الموارد الموجودة، كيفية ادارتها، ومن هنا الأهمية القصوى للموارد البشرية، وخاصة المتعلمين والمؤهلين، فى الداخل أو الخارج، ففى زمن العولمة وسرعة وتيرة التكنولوجيا واستخدام الفيديو كونفرانس أو سكايب وأمثاله، أصبح الحاجز بين الداخل والخارج ضئيلا للغاية، علماؤنا فى الخارج اذن جزء أساسى من هذه الموارد، كما تبين تجارب الكثيرين.
مثلا كان حاييم وايزمن ـ أول رئيس جمهورية فى اسرائيل ـ عالم كيمياء فى بريطانيا وأسهم فى تطور صناعة الأسلحة، وفى المقابل أقنع الحكومة البريطانية باصدار وعد بلفور فى 1916 أساس الدولة الاسرائيلية الحالية. التطور الاسرائيلى منذ ذلك الحين وانتصارات هذه الدولة الصغيرة على بقية جيرانها الذين يفوقونها بكثير عددا ومواردا لايمكن شرحه الا بكيفية استخدام اسرائيل مواردها البشرية الخارجية ـ ما نسميه اختصارا اللوبى الاسرائيلى فى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا أو حتى أمريكا اللاتينية. أقرب الى تجربتنا هو ما تفعله الصين أو الهند فى الاعتماد على علمائهم فى الخارج لدفع عجلة التنمية، كما نرى النتيجة من عام الى عام سواء فيما يسمى الثورة الخضراء فى الهند أو فى استخدام علوم التكنولوجيا فى أحدث صورها وارتفاع معدل النمو السريع جدا فى هذين البلدين والذى يدهش العالم.
بالرغم من وجود هذه الموارد الثمينة تحت يد مصر، فإنها أخذت وقتا طويلا للغاية فى محاولة استخدامها. أتذكر حديثا عن هذا الموضوع مع د. بطرس غالى فى نهاية السبعينيات عندما كان ليس فقط وزير دولة للشئون الخارجية، ولكن أيضا أول مسئول للهجرة والمصريين فى الخارج، كان اختياره لهذا المنصب موفقا للغاية، فالرجل يعرف العالم الخارجى بكل تفاصيله بسبب نشأته وعمق ثقافته، ولكن أيضا حماسه المتدفق وقدرته على اقناع الآخرين لمساعدته ـ كان هذا تقريبا منذ نحو 40 عاما، وكما نعرف لم يؤد هذا الحماس والمعرفة الا الى انجازات فردية هنا وهناك، بينما غابت خطة العمل الجماعى. أتذكر أيضا عملى مع زملائى فى الخارج فى الثمانينيات والتسعينيات عندما شرفونى بانتخابى نائبا لرئيس جمعية العلماء المصريين فى كندا. كنت أرى هذا الكنز المصرى الهائل من عالم الرياضيات الذى كانت معادلته تدرس باسمه فى العديد من الجامعات فى كندا والولايات المتحدة، الى الجراحين العالميين، الى وجود عمداء لكليات الهندسة فى كندا من أصل مصرى، بينهم ثلاث سيدات، تكلمنا كثيرا عن استغلال هذه الطاقة الموجودة والمتحمسة للعمل.
ولكن رغم جهود العديدين من أمثال السفير تحسين بشير أو أسامة الباز، لم تطبق أى خطة عمل على مستوى الدولة. هل يكون المؤتمر الأخير «علماؤنا فى الخارج» وشعاره «نعم نستطيع» البداية الحقيقية للتحول من فكرة رائعة الى وضع خطة عمل تنفيذية، أى آليات محددة وجدول زمنى. كيف يكون ذلك؟ خمسة اقتراحات كبداية:
ـ طبعا التنسيق مع علمائنا فى الخارج، والداخل أيضا. فأنا أعرف من زملائى هنا العديدين ذوى الموهبة الرائعة والانجازات الدولية المعترف بها، لم يتم الاتصال بهم الا عن طريق زملائهم فى الخارج الذين يعرفون هذه الانجازات، وبالتالى لم يحدث أى تنسيق على المستوى التنظيمى، بينما نجاح مثل هذا المؤتمر يعتمد أساسا على التفاعل بين الخارج والداخل، خاصة أن الداخل يعيش مشاكل هذا البلد بصفة يومية، وعلى علم بأقصر الطرق، مثلا لم يتم الاتصال بنائب مدير الجامعة الأمريكية للبحوث أو رئيس مجلس الأساتذة، وهما مصريان وذوا تخصص علمى مطلوب.
2ـ ألا يكون هناك عائد مادى لمثل هذا العمل، سواء لهؤلاء العلماء فى الداخل أو الخارج. وياحبذا لو أمكن أن يتحمل القادرون من الخارج تذكرة السفر، ولكن يكون التكريم والتقدير فى قمته من حيث الاقامة الممتعة والمفيدة فى نفس الوقت. فأحاديثى مع زملائى فى الخارج ـ وكذلك تجربتى الشخصية ـ تؤكد أن القدرة التنظيمية المحكمة ـ بما فيها وسائل الاستقبال والتنقل ـ هى أهم ما يحتاجه القادم من الخارج للاستفادة منه كما يجب وأيضا عدم «تضييع وقته».
3ـ العمل مع الشباب. فالهدف الأساسى من هذا المؤتمر هو ما يسمى «بناء القدرات»»copacily-building»، ليس فقط مشروعات على الأرض، أى ما يعرف بتشييد الحجر، ولكن أساسا بناء البشر، وطبعا الشباب فى المقدمة، كان أحمد زويل يستثمر كثيرا فى هذا، كما أن هؤلاء العلماء فى مقابلاتهم مع الشباب لن يقتصر على الاستفادة العلمية، ولكنهم يمثلون لهؤلاء الشباب قدوة فى الانجاز ومواجهة المنافسة الدولية، وياحبذا لو انتهى الأمر بتقديم بعض المنح باسم هؤلاء العلماء لمساعدة هؤلاء الشباب لاكمال دراساتهم العلمية فى الخارج أو لاقامة بحثية.
4ـ ألا يقتصر الاتصال بعلمائنا فى الخارج على الشيوخ، بل نتوجه الى شباب العلماء من الجيل الثانى وحتى الثالث.
فأنا أعرف أن البعض رغم صغر سنه، الا أنه له مستقبل واعد. كما أن التخطيط والتنسيق معه من الآن يضمن أن عائد الاستثمار سيكون طويل المدى، ولا ينتهى فى السنوات القليلة الباقية من عمر الشيوخ ـ أطال الله فى عمرهم.
5ـ أهمية المتابعة المنتظمة والتصحيح والتجديد. فأى مشروع هو كائن حى، تختلف ظروف مولده عن صباه وتطور نموه، ولذلك فان المتابعة Follow- up ليس فقط من أجل التنفيذ الجيد، ولكن التكيف مع الظروف المتغيرة بحيث يتجاوز «نعم نستطيع» مرحلة المشروع المفيد ليصبح مؤسسة فعالة ودائمة الحياة المتجددة
* نقلا عن الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة