فيلم "أول 50 موعد غرامي".. أجمل الحب أوله
فيلم أول 50 موعد غرامي يبني لفكرته حبكة ذكية دون أن يشغل باله بكل التفاصيل الحياتية الصغيرة بعيداً عن علاقة الاثنين العاطفية.
أجمل الحب أوله، فكيف إذا كان كل الحب أوله؟ تلك الفرضية كانت الفكرة الحاكمة للكوميديا الرومانسية "أول 50 موعد غرامي" First Dates 50، التي تروي تفاصيل حكاية حب تجمع بين الطبيب البيطري حياة هنري روث الذي يؤدي دوره النجم آدم ساندلر، والفنانة التشكيلية لوسي، وتؤدي دورها درو باريمور التي تعاني من مرض فقدان الذاكرة على المدى القصير بعد إصابتها في حادث سيارة، ما يجعلها تنسى أحداث يومها السابق مع شروق اليوم التالي، على نحو تكون فيه كل الأيام في علاقة الاثنين، مهما تعاقبت، هي اليوم الأول فيها فقط.
يبني الفيلم لفكرته حبكة ذكية، من دون أن يشغل باله بكل التفاصيل الحياتية الصغيرة بعيداً عن علاقة الاثنين العاطفية، فلا يلتقط منها إلا ما يؤكد نضال هنري روث اليومي للفت نظر حبيبته لوسي للوقوع في حبه، وتالياً نضاله لكي يجعلها تستعيد في كل صباح ذاكرة اليوم الذي سبقه.
وفي سبيل تحقيق هذين الهدفين، يخوض هنري جملة من المغامرات غير المحسوبة مع لوسي، بعيداً عن التكرار الممل، لأن حبكة الحكاية تفترض في كل مرة ردود فعل مختلفة من لوسي تجاه الفعل ذاته من هنري، وفي هذه الفرضية يكمن ذكاء النص ورشاقته، كما تكمن فيها متعة المشاهدة بمراقبة كيف يتصرف العاشق في اليوم التالي ليوقع بحبيبته.
سلوك هنري العاشق بدأ أثارت قلق والد لوسي وأخيها ورفاقها في المقهى الذين يحيطونها بالعناية، لأن لوسي تتذكر كل ما حدث حتى لحظة وقوع الحادث، وتنسى كل شيء بعده، لذا يحرص هؤلاء على إعادة التفاصيل اليومية ذاتها، على نحو يبقيها غير مدركة لمرض فقدان الذاكرة الذي تعاني منه حفاظاً على مشاعرها.
لكن هنري وبعد أن يطلع على تفاصيل مرض لوسي، يقترح مواجهتها بالمرض عوضاً عن إخفاء حقيقته عنها، فيعمد يومياً إلى تسجيل فيديو لها يذكرها بما كانت عليه قبل الحادث مرورا بتفاصيل هذا الأخير، وما تعرضت له من حالة فقدان ذاكرتها القصيرة الذي لا شفاء منه، وصولاً لكل ما حدث في يومها الأخير الذي يسبق صباح مشاهدتها الفيديو، لتعاود مواصلة يومها الجديد انطلاقاً مما ذكرها به هذا الشريط، ومع تجاوب لوسي مع هذا الأسلوب، قررت أن تكتب بنفسها أحداث كل يوم؛ لتستعيدها في اليوم الثاني عند نسيانها.
لا تنتهي الحكاية عند هذا الحد، إذ سرعان ما تتأزم أحداثها وتتصاعد نحو ذروة جديدة، حين تكتشف لوسي أن هنري قرر أن يقلع عن السفر في البحر لمواصلة أبحاثه العلمية ليبقى إلى جانبها، ما يدفعها لاتخاذ قرار بالخروج من حياته ونسيانه نهائياً، فتعمد إلى تمزيق كل الصفحات التي تتعلق به في دفتر يومياتها وتطلب منه عدم رؤيتها، قبل أن تنتقل إلى مركز دعم فاقدي الذاكرة، لتشارك في تعليمهم الرسم، فيما يقرر هنري السفر لمواصلة رحلة أبحاثه العلمية.
سرعان ما نبلغ الحل في حبكة الحكاية، حين يهدي والد لوسي هنري قبيل سفره قرصا مرنا عليه مجموعة من الأغنيات التي اعتادت لوسي غناءها، ما يدفعه للعودة إليها، ورغم أنها حين تلتقيه لا تتعرف عليه، فإنه يكتشف أنها رسمت له عشرات اللوحات، وحين يسألها عن اللوحات، تخبره أنها لا تعرف من هو، لكنه يأتيها في أحلامها لذلك ترسمه، حينئذ يقول لها إنه الصفحات الممزقة من دفتر ذكرياتها.
هنا تخبرنا حبكة الفيلم أن الحب الذي عجز عن تذكير لوسي بهنري في صحوها، نجح في مهمته هذه في نومها، وها هي الحكاية تذهب نحو نهاياتها السعيدة، حين يتزوج الاثنان وينجبان طفلة، لكن مهلاً، فنضال هنري اليومي لتذكير لوسي بأحداث يومها السابق لم يتوقف بعد، ولم يزل الرجل يكافح في سبيل حب شخص كلما نام نساه.
الحبكة الذكية لنص الكاتب جورج وينج، هي بطلة الفيلم الحقيقية، وزاد من أهميتها التجسيد الجيد للنجمين آدم ساندلر ودرو باريمور اللذين بديا مستمتعين بأداء شخصيتي هنري ولوسي، وقدم كل منهما شخصيته على نحو سلس ومضبوط بمنطق الشخصية وسلوكها، دون إثقالها بمقترحات خاصة.
وتراجع الإخراج إلى الخلف لصالح الحكاية، فلم يسع المخرج بيتر سيجال لإبراز الصورة على حساب مضمونها، رغم أن أحداث الحكاية تجري في "هاواي"، حيث كل شيء يغري بتصويره، لكن المخرج أدرك أن شكل فيلمه "أول 50 موعد غرامي" هو مضمونه، وأن نجاحه يكمن في منح النص الصف المتقدم من الصورة.