أول محطة روسية عائمة للطاقة النووية على وشك الإبحار
يحذر منتقدو المحطة بأنها قد تتسبب في كارثة محتملة في القطب الشمالي وينذرون من أن تصبح "تشيرنوبل العائمة".
تنبعث رائحة الطلاء الجديد من أول محطة للطاقة النووية العائمة في العالم، حيث يتم تنفيذ أحدث أعمال المشروع الروسي المتميز والذي تكلف ملايين الدولارات في "أكاديمية لومونوسوف" أو (Akademik Lomonossov) نسبة إلى ميخائيل لومونوسوف (1711-1765) مؤسس جامعة موسكو، تتلألأ أضواء المحطة النووية على صفحة المياه وكأنها إحدى السفن العادية بالرغم من وجود مفاعلات نووية على متنها.
- أرقام "مخيبة" بأول تقرير رئيسي عن الطاقة النووية في 20 عاما
- مباحثات سعودية روسية محتملة في الطاقة النووية
لاتزال راسية في ميناء مرمانسك، ببنيتها الضخمة وجدرانها الخارجية التي تحمل ألوان العلم الروسي من أبيض وأزرق وأحمر، إلا أنها ستدخل الخدمة بما تحويه من مفاعلين مضغوطين للمياه في غضون الأشهر القليلة المقبلة، أما أسلوب بناء هذه المحطة فيذكرنا بكاسحات الجليد الذرية العملاقة التي كانت تبحر منذ عقود في شمال روسيا، ويحذر منتقدو المشروع من هذه المحطة التي قد تتسبب في كارثة محتملة في القطب الشمالي وينذرون من أن تصبح "تشيرنوبل العائمة".
كما سيتم نقل "أكاديمية لومونوسوف" البالغ طولها 144 متراً وعرضها 30 متراً بواسطة قاطرات لمسافة تصل إلى حوالي 4000 كيلومتر إلى الطرف الشمالي الشرقي من روسيا.
ومن المقرر أن يوفر هذا العام، إنتاج الكهرباء قبالة سواحل تشوكوتاكا، الطاقة لمدينة بيفيك الساحلية وكذلك لمنصات الغاز والنفط بأعالي البحار، ويُعد هذا المشروع جزءا من خطة الحكومة الروسية للترويج لهذه المنطقة النائية الغنية بالموارد المعدنية. ويؤكد لنا فلاديمير إيؤيمينكو، الذي يعمل كمهندس بيئي على متن "أكاديمية لومونوسوف" قائلا: "تتمتع المحطات النووية العائمة بمزايا عديدة". ويشير هذا الخبير، وسط أصوات المحركات التي تهدر بلطف أسفل غرفة الماكينات: "يمكن للمناطق النائية الاستفادة دون تقديم تعهدات كبيرة".
لا توجد بيانات دقيقة حول تكلفة محطة نووية عائمة من هذا النوع. فعلى متن "أكاديمية لومونوسوف" سيتم إنتاج ما يقرب من سبعين ميجاوات وسيتم دمجها في شبكة الكهرباء المحلية. وهذه الطاقة تكفي لإمداد مدينة بها 100 ألف نسمة.
وقد أصبحت محطة الطاقة النووية (بيليبينو) العاملة في الإقليم على تربة دائمة التجمد، عتيقة، عفا عليها الزمن وباتت أكثر عرضة للتأثيرات البيئية، بالإضافة إلى ذلك فإن تغير المناخ من شأنه أن يجعل الجليد الذي لا يزال صلباُ ويغطي الأرض عرضة للذوبان، وجاء ديميتري أليكسينكو، نائب رئيس المحطة ليؤكد أن "محطة الطاقة النووية العائمة أكثر أماناً من أسلافها، فهي قادرة على تحمل أقوى موجات تسونامي ولا يمكنها الغرق، بل هي أيضاً مجهزة ضد أية هجمات إرهابية محتملة وسيتم مراقبتها بواسطة قوات مسلحة تقوم بحمايتها براً وبحراً وجواً .
بعد الكارثة النووية التي شهدتها مدينة فوكوشيما اليابانية قررت ألمانيا التخلى عن إنتاج الطاقة النووية بحلول نهاية عام 2022 ولديها في الوقت الحالي سبع محطات نووية فقط قيد التشغيل. في حين تتبع الحكومة في موسكو خطة مختلفة تماماً، حيث تحتفظ روسيا بأكثر من ثلاثين محطة نووية لازالت كلها تعمل. وكذلك من خلال وكالة الفضاء الروسية روساتوم تقوم موسكو بالاستثمار على نطاق واسع في محطات الطاقة النووية الجديدة، خاصة في الجمهوريات السوفيتية السابقة التي لا تمتلك المعرفة أو الوسائل اللازمة لتطبيق هذا النوع من التكنولوجيا.
وروساتوم التي يعمل بها حوالي ربع مليون شخصاً من مختلف أنحاء العالم تخطط لإنشاء محطات نووية في كل من الهند وبنجلاديش وتركيا، ويعتبر التواجد في بيلاروس على سبيل المثال، مثيراً للجدل، حيث تسببت المحطة النووية المزمع إنشاؤها في استرافيتش، الواقعة على الحدود مع ليتوانيا، إحدى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، في حالة استياء شديد بالمنطقة، نظرا لأنها ستعد أول محطة نووية للجمهورية السوفيتية السابقة، التي تأثرت بشكل كبير مع أوكرانيا من جراء مأساة المفاعل تشرنوبيل النووي عام 1986، ولا يزال الاضطراب سائدا بشكل كبير وبالرغم من مرور عقود، لا تزال آثاره المترتبة على الصحة ملموسة.
وصرح أحد المهندسين على متن محطة الطاقة النووية العائمة مرمانسك: "إن روسيا تخطط لأكثر من ذلك فنحن نطور". ويشير هذا الخبير أنه بنجاح المشروع سيكون في الامكان بناء أسطول كامل من المحطات والمصانع الذرية العائمة، وهو اقتراح يثير اهتماماً كبيرا في حنوب شرق آسيا.
ومع ذلك يعتقد بعض علماء البيئة الروس أن "أكاديمية لومونوسوف" هي نموذج لمحطة نووية للمشترين المحتملين أكثر من كونها مشروعاً لتزويد سكان بيفيك بالطافة. ويرى رشيد عليموف، من منظمة (جرينبيس) أو السلام الأخضر البيئية أنه ليس من المحتمل أن تتمكن روساتوم من التعامل بشكل سريع والتصرف في حال وقوع حادث. ويضيف كخبير للطاقة: "يجب أن يكون واضحاً وجلياً للجميع أنه في حالة الطوارئ لا توجد بنية تحتية في هذه المناطق النائية".
كما يحذر: "في حال حدوث خطأ ما ليست هناك إمكانية للتنقل جواً بشكل سريع وستكون العواقب التي تحل على منطقة القطب الشمالي وخيمة ومأسوية". و يقول عليموف إنه يتعين على الحكومة استثمار هذه الملايين في الطاقات البديلة بدلاً من إجراء تجارب خاصة بالطاقة النووية.
أما روساتوم فترى من جانبها عكس ذلك، وتدعم المشروع، على اعتبار أن "أكاديمية لومونوسوف" هي إحدى محطات الطاقة النووية الأكثر تقدماً حيث تم تصنيفها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها آمنة. وفي هذا الصدد يؤكد المهندس إيريمينكو بقوله:"لا يوجد سبب ما يدعو للقلق".