
زراعة الأسماك فوق الأسطح، فكرة مصرية بدأت ببحث.. والآن يجري تعميمها بواسطة الباحث أحمد توفيق
4 أحواض مبنية في أشكال منضبطة من الطوب، بداخلها مياه عميقة تسبح فيها عشرات الأسماك، وعلى الجانب الآخر صوب مليئة بالنباتات الورقية التي تنمو بواسطة المياه المتدفقة من أحواض السمك، هذا النظام المائي المغلق يدور بداخل وحدات مشروع الاستزراع السمكي فوق الأسطح، الذي بدأ تنفيذها بمصر منذ أكثر من عامين.
الفكرة التي يعود عمرها لأكثر من 13 عاما، بدأها الدكتور أحمد توفيق، الباحث بمركز البحوث الزراعية، وخبير نظم الزراعة المائية "اكوابونيك، هيدروبونيك" بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي، من أجل إعداد رسالة الماجستير الخاصة به عام 2004، وبعد الدراسة والبحث والمتابعة في نظام زراعة النباتات دون تربة، تطورت الفكرة لتتحول بحث كبير مفصل حول الاستزراع السمكي فوق الأسطح، والربط بينه وبين زراعة النباتات بطرق هيدروبونيك، لتخرج الفكرة في هيئة مشروع كبير في 2014 بدعم من أكاديمية البحث العلمي.
البداية.. تجربة فريدة
وعلى الرغم من صعوبة إتمام مثل هذه المشروعات البحثية في مصر، إلا أن إصرار توفيق، رائد وصاحب براءة اختراع هذا المشروع، مكنه من السير بالمشروع بخطوات ثابتة، وفي مقابلته مع بوابة "العين" الإخبارية، قال الباحث المصري بمركز البحوث الزراعية "إن تطبيق الاستزراع السمكي بمصر تطلب بحثا ومجهودا كبيرا، وتواصل مع باحثين من كندا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية"، لتصبح تجربته في تربية الأسماك فوق الأسطح هي الأولى من نوعها بمصر ، لتتوالى أفكار مشابهة وتجارب مماثلة من دول بالعالم، بشأن تربية الأسماك في بيئة مناخية مختلفة وظروف أقل تكلفة.
أهداف متعددة.. مكاسب محققة
وعندما خطر بفكر الباحث توفيق إقامة مشروع استزراع سمكي بعد بحث عميق، دار في ذهنه عدة نقاط كانت هي الدافع الأساسي له، لتطويع الفكرة وتحويلها إلى نموذج مشروع بحثي له فوائد اقتصادية وبيئة وتجارية متعددة، وفي مقدمة الدوافع، مشكلة نقص المياه، وفي ظل التغييرات المناخية الحالية تزداد المخاوف، حيث يواجه المصريون عجزاً مائياً قدرتها منظمة الأمم المتحدة بحوالي 7 ملايين متر مكعب سنوياً، معلنة قلقها من حدوث أزمه كبيرة في المياه بمصر بنهاية عام 2025.
وتتعدد الأسباب المؤدية لنقص نسب المياه، نظراً لعدم وجود توزيع متكافئ لنسبة المياه، وسوء استخدام الموارد المائية، مع الري غير الفعال المتسبب في إهدار ماء الري ومعاناة بعض النباتات من عدم حصولها على النسب الكافية، فضلاً عن زيادة عدد السكان بوتيرة متواصلة خلال الأعوام الماضية، مع سوء التصرف في التخلص من الفضلات العضوية بالمزارع السمكية التقليدية.
لذا يصبح الاستزراع السمكي فوق الأسطح منقذاً لمصر بشكل فعلي، لمواجهة أزمات نقص المياه والتلوث البيئي، ليعظم اقتصاديات زراعة الأسطح، واللجوء لاستخدام نظم الزراعة المائية المتطورة بطرق اكوابونيك وهيدروبونيك، وتطبيق التكنولوجيا الحديثة في الربط بين الزراعة دون تربة مع مزارع سمكية فوق الأسطح، مضيفاً أن عملية تدريب وتأهيل كوادر بحثية ومزارعين ورواد الأعمال، هو جزء لا يتجزأ من هدف المشروع الرئيسي، لينجح الباحث المصري من خلال مركز البحوث والمعمل المركزي للمناخ الزراعي انشاء مراكز تدريب بمحافظتي الغربية وسوهاج، على الاستفادة من الأسطح وأسطح المنازل بتربية الأسماك وزراعة نباتات ورقية تستفيد من مياه الاستزراع السمكي.
وحدات المشروع.. دائرة مغلقة
وفي أجواء مليئة بالنشاط والعزيمة بداخل وحدات المشروع، يتجمع 5 أفراد من العاملين لتجميع الخضرورات والنباتات الورقية وتجهيزها للبيع بالسوق المحلية، حيث توجد وحدة الاستزراع السمكي المكونة من 4 أحواض قطرها 3 مترات، يستع كل واحد منهم لـ3 أطنان من المياه، التي تحول في فلاتر ميكانيكية وتدخل لوحدة الزراعة دون تربة، ليشير خبير نظم الزراعة، إلى أن تحويل المياه والفضلات العضوية للأسماك تحمل 12 عنصراً مغذياً للنبات، وتحمي البيئة من إلقاء هذه النفايات بالخارج، وتحفظ الأسماك بعيداً عن خطورة عنصر الأمونيا، لتعود المياه مرة أخرى نظيفة لأحواض الأسماك.
فطبيعة الأحواض المصممة تستوعب 12 طن متر مكعب من المياه، أسهمت في تقليل التكلفة وتحسين الإنتاج السمكي، فيتابع توفيق قائلاً "هناك فرق شاسع بين استهلاك الاستزراع السمكي التقليدي لكميات المياه، حيث يستهلك كيلو السمك الواحد 30 مترا مكعبا، بينما نظام الاستزراع فوق الأسطح يستهلك 30 لترا فقط من المياه، بأقل ضرر بيئي، وبتنوع الإنتاج من النباتات والأسماك في الوقت نفسه بالمياه نفسها، منوهاً أن هذه المميزات تحقق عائداً اقتصادياً كبيراً من وراء عملية البيع لهذه المنتجات.
"موديل 2016 من الزراعة" هكذا وصف دكتور أحمد توفيق، المرحلة المتطورة من الزراعة دون تربة "الزراعة الرأسية - سمارت تاور" على مساحة أقل بإنتاجية أعلى، لينتج 150-200 نبات في المتر المربع الواحد، وهي أعلى كثافة إنتاج من هذا النظام على مستوى العالم.
مشروع متاح لجميع المصريين
وحول تطبيق نظام الاستزراع السمكي فوق أسطح المنازل، ذكر توفيق بنبرة صوت مليئة بالحماس، "الفكرة سهل تطبيقها بالمنازل، وعند عقد مقارنة بين العائد المادي على الأسر من تطبيق هذا النظام، والاستهلاك التقليدي لهذه المنتجات، ستجد الأسرة فارقاً لصالح الاستزراع السمكي بالمنزل"، ناصحاً بضرورة دراسة السوق ومتطلباتها لتحديد النباتات المستخدمة داخل النظام، والاهتمام بزراعة النباتات الورقية لقصر مدة دورة الإنتاج.
ويظهر عشق الباحث المصري لفكرة المشروع، الذي كرس له سنوات طوالا من حياته، في تأكيده على تطوير الفكرة وتدريبها لطلبة وباحثين آخرين، وعلى الرغم من افتقاده وجود باحثين مساعدين، إلا أنه شديد التفاؤل.. فلا يرى أي معوقات تهدد استمرارية المشروع، بل واثق من انتقال الفكرة والبدء في تطبيقها على مستوى أوسع بمحافظات مصر.
التطبيق على المستوى القومي
"حلمي يتحقق بتطبيقه على مستوى قومي" في حالة من الرضى أوضح الباحث المصري، أن مشروعه دخل ضمن مشروع الـ100 ألف فدان صوب، ومع تفاقم أزمة نقص المياه، وتصاعد التغييرات المناخية، لجأت الدولة المصرية إلى الاستعانة بمشروع الاستزراع السمكي فوق الأسطح، ضمن المشروع القومي بزراعة 100 ألف فدان صوب، خاصة أن حصة مصر من المياه ثابتة ولا تتجاوز 55 مليار متر مكعب، لذا الزراعات المحمية في إنتاج الخضروات والزراعة بـأكوابونيك وهيدروبونيك، أصبح اتجاهاً قومياً لمواجهة التضخم السكاني ونقص المياه.