صور.. صيد الأسماك.. ملجأ الأسر الفقيرة في سواحل اليمن
يلعب البحر دوراً رئيسياً في تغيير حياة سكان المناطق الساحلية باليمن كمصدر دخل متاح ولو بقليل من العناء والمخاطرة.
الصيد هو ملجأ الأسر الفقيرة، إذ اتجهت نحو البحر لتغيير واقعها المعيشي، وتحسين دخلها المادي لقاء ما تصطاده من أسماك وبيعها لاحقاً في الأسواق المحلية.
"العين الإخبارية" تستعرض قصصاً لأشخاص انتشلتهم مهنة صيد الأسماك من بؤس واقع كانوا يعيشونه ليجدوا في شباك الصيد ما ينقلهم إلى واقع جديد ومستوى معيشي أفضل.
من بين أولئك الأشخاص، علي شجمة، الذي كان يعمل قبل سنوات في محل لتغيير زيوت السيارات بمدينة الخوخة جنوب الحديدة اليمنية.
كان علي دائماً ما يسأل نفسه عن الطريقة التي من الممكن خلالها تغيير حالته المعيشية، لقد سأم الفقر الذي يعانيه منذ سنوات، ودائماً ما كان يبحث عن تغيير واقعه المرير إلى حياة أفضل.
ورغم أنه ابن بلدة ساحلية، إلا أن فكرة العمل في البحر كصياد لم تكن تستهويه، ويرجع ذلك إلى حادثة مخيفة في طفولته على شاطئ مدينته كادت أن تودي بحياته، لذا ظلت تلك الحادثة تعزز جوانب الخوف لديه، وتبعده عن المياه وخيرات البحر.
وقال "شجمة": "تغير الأمر، فحينما تشاهد الناس من حولك وقد تبدلت حياتهم إلى الأفضل يكون ذلك ملهماً لك ودافعاً بأن تحذو حذوهم، لذا قررت إبلاغ أصدقائي ممن يعملون على قوارب كبيرة برغبتي في العمل معهم ووافقوا على الفور".
لقد كان ترك المهنة ذات المردود الضئيل، والعمل وسط المياه التي لطالما كانت مصدراً للخوف، "قراراً شجاعاً"، كما يقول شجمة.
ويشرح طبيعة العمل في اليوم الأول بالبحر بأنه كان صعباً، إذ ظل يشعر بالدوار طوال الوقت وعند العودة ظهراً لم يكن قد أنجز شيئاً يستحق الذكر، ما عزز من مشاعر الحرج وخوفه من تكرار ذلك في الأيام القادمة.
ونظراً لخجله فقد كان كتوماً، و لا يبوح بشيء من مخاوفه لأصدقائه، ولو فعل ذلك لكانوا قد قدموا له النصائح التي تحد من تفكيره السلبي في أول عمل له في البحر، بحسب قوله.
وأضاف أنه ذهب في اليوم الثاني إلى البحر وهو موقن أنه سيصاب بالحالة ذاتها التي شعر بها في اليوم الأول، لكن كل شيء تغير، إذ كانت الأعراض قليلة الحدوث، فيما كان يتعلم سريعاً، إضافة إلى أنه يمتلك القوة الجسدية ما منحه ميزة إضافية للعمل فترة أطول.
وخلال الأعوام التي أعقبت تحرير الخوخة من قبضة مليشيا الحوثي، تغيرت حالة الرجل الذي كان يعمل في مهنة ذات مردود ضئيل إلى الأفضل، وتوسعت مدخراته المالية لتتيح له الزواج وبناء منزل مستقل كما أنه يخطط حالياً لشراء قارب خاص به.
يقول "شجمة": "هذه ليست قصة كفاح ناجحة، وإنما كيف تتيح الفرص الجديدة تغيير واقع الأشخاص إلى الأفضل، وكيف يمكن للشخص اقتناصها وطرد المخاوف المتعلقة بترك عملك الأول".
قصة مماثلةمن بين العديد من الصيادين في مركز الإنزال السمكي في مديرية المخا اليمنية، كان عبدالله علي مزجاجي، ذو البشرة الحنطية يقوم بتحديد أسعار الأسماك التي تم إخراجها من البحر، لبيعها لتجار جملة ينقلونها عبر شاحنات مبردة إلى مدن أخرى.
لم يكن مزجاجي صياداً أو عاملاً في قطاع الصيد قبل نحو 10 سنوات، إنما كان عاملاً في تقطيع الأسماك وتنظيف أحشائها الداخلية للمستهلكين الصغار الراغبين في شوائها بالمطاعم الشعبية.
لكن قربه وقوة ذكائه، أتاحت له الانتقال إلى عمل يدر عليه دخلاً أفضل مما يقوم به، وإن كان يرفض تحديد المبالغ التي يتقاضاها يومياً مقابل ما يقوم به.
أما أحمد، وهو صياد آخر، فيقول إن دخله المادي تحسن ليتيح له شراء قارب وتأجيره لصيادين آخرين، إنه يجسد المقولة الشعبية "جاور البحر تسعد".
وفي مديرية ذو باب المطلة على البحر الأحمر، قصة أخرى لا تختلف كثيراً عما سبق، إذ كان والد عرفات وأحمد يعمل في مطعم لتقديم الوجبات الشعبية، قبل اندلاع حرب مليشيا الحوثي، كانت حياة أسرتهما صعبة للغاية، وعاشا في فقر دائم منذ طفولتيهما.
شب الولدان وقررا العمل من أجل مساعدة الأسرة على تخطي حالة العوز التي تعيشها، ففي البداية عملا في نقل الأسماك من داخل السلال المغطاة بالثلج إلى داخل شاحنات النقل إلى المدن الأخرى.
وبعد أشهر انتقلا للعمل على ظهر القارب في مديرية ذو باب التي كانت تشتهر بوفرة الأسماك الصغيرة من نوعية "العربي".
عمل الولدان طوال السنوات التي أعقبت تحرير مديريات الساحل من مليشيا الحوثي، وخلال تلك الفترة نمت أرباحهما بشكل مكنهما من شراء قارب صيد، والعمل بمفردهما عليه.
كان الصيد وفيراً وعائداتهما مربحة واشترا قارباً آخر أكبر، ما وسع من كسبهما ليقوما ببناء منزل جديد، بدلاً من منزلهم القديم المكون من الأعواد، وسعف النخيل.
كما تغيرت حالة أسرتهما إلى الأفضل وغادرت حياة البؤس الذي كان ملازما لها.