رفع العلم ليس تقليدا متبعا أو بروتوكولا، ورفعه لا يكفي لأن يكون على سارية شاهقة، ولكن يرفع بالعمل والإخلاص والتضحيات الجسام.
احتفلنا قبل أيام بيوم العلم، الذي أتى في فورة من المنجزات الوطنية، وهي منجزات لم تأتِ مصادفة أو مجاملة وإنما كانت إثر تخطيط مدروس وجهد لم يتوقف ومتابعة لم تفتر لأشخاص جعلوا رفعة الوطن شغلهم الشاغل، فأتى الحصاد كأجمل ما يكون ولا يزال المستقبل يُنبئ بالخير الكثير.
كانت البداية خلال أسبوع لا أكثر بإطلاق «خليفة سات» للفضاء، وهو قمر صناعي تم صناعته وتطويره بالكامل بأيد إماراتية، ثم أتت إشادة البرلمان الأوروبي بمبادرات الإمارات الإنسانية والتنموية لتمثل شهادة عالمية لافتة لجهود الدولة التي لم تتوقف منذ تأسيسها لتكون مشعل نور وكفا معطاء لبث الأمل وبذر الخير في مختلف بقاع العالم المحتاجة.
يُرفع العلَم لأنه رمز الهوية الأبرز للوطن، ويُنشر عالياً لأنه يمثل مستوى العزة والكرامة الذي تنشده الدولة لأبنائها بين سائر الأمم، ويُعلى فوق الرؤوس ليعرف الكل أن الوطن فوق الجميع وأن صالحه هو المقدَّم، وأن أسسه ودعائمه هي التي لا تقبل المناقشة حولها أو المساومة عليها
ثم أتت بشارة وصول الجواز الإماراتي للمركز الرابع كأقوى جواز سفر عالمياً، إذ أصبح بإمكان المواطن الإماراتي دخول 162 دولة دون تأشيرة مسبقة، والمتوقع أن يصل للمرتبة الثانية بنهاية نوفمبر الجاري، تلا ذلك خروج التقارير الاقتصادية العالمية لتضع الإمارات الأولى إقليمياً في مؤشر الحرية التجارية، ثم كان ختام الأسبوع الحافل بالحفل الختامي لمبادرة «تحدي القراءة» وتكريم قرابة 10 ملايين طالب عربي شاركوا في هذا التحدي وقرأ كل منهم خمسين كتاباً في عام واحد، ليضاف هذا الأمر للرصيد المعرفي السابق من خلال مبادرة «مدرسة»، وترجمة ما يقارب من 5000 ساعة فيديو لأحدث المناهج التعليمية في الفيزياء والعلوم والرياضيات، ليستفيد منها أكثر من 50 مليون طالب عربي، ومبادرة تأهيل مليوني مبرمج عربي في سعي جاد للإمارات وقيادتها لتمكين الجيل العربي الجديد من أدوات المستقبل!
هذه الأمور وأمثالها كثيرة للغاية تجعل من يعرف الإمارات يفتخر بها وبأياديها البيضاء، فكيف يجب أن يكون الحال مع أبنائها والقاطنين في أراضيها؟ وماذا يعني أن يُخصص يوم للعَلَم ليرفع على كل مباني البلد؟ وما القيمة المراد تأكيدها من الاحتفال براية الوطن ورفعها في اليوم نفسه والتوقيت نفسه؟
يرفع العَلَم لأنه رمز الهوية الأبرز للوطن، وينشر عالياً لأنه يمثل مستوى العزة والكرامة الذي تنشده الدولة لأبنائها بين سائر الأمم، ويعلى فوق الرؤوس ليعرف الكل أن الوطن فوق الجميع وأن صالحه هو المقدم وأن أسسه ودعائمه هي التي لا تقبل المناقشة حولها أو المساومة عليها، ويرتقي على رؤوس السواري لنعي أن أوجب ما علينا أن يبقى هكذا سامياً خفاقاً لا يسقط من يد إلا لتتلقفه يَدٌ جديرة أخرى، ولا تجف أرضه من عرق جُهد ابنٍ بار إلا لترويه دماء تضحيات ابنٍ بارٍ آخر.
رفع العلم ليس تقليداً متبعاً أو بروتوكولاً بل هو أكثر من ذلك بكثير، هو دلالة روحية لما يمثله هذا الرمز، ورفعه لا يكفي لأن يكون على سارية شاهقة ولكن يُرفع بالعمل والإخلاص والتضحيات الجسام، رفعه يعني تجديد الولاء والانتماء له ولقيادته وتجديد عرى المحبة والتآلف والتعاون والتعايش مع كل مكونات نسيجه الاجتماعي.
هو وطنٌ يؤخذ ككل وتُحترم كل تفاصيله ما كبر منها وما صغر، الأوطان لا يمكن أبداً أن تترك لمزاج أحد، فالوطن هو المقدم وما سواه يأتي بعده، وركائزه ومقوماته هي الأصل الأصيل وما عداها هامش، ومن صدق حبه لوطنه أحب كل ما فيه، فمن أحب الشجرة أحب أغصانها!
رفع العلم يعني ألا تغفل عن كل تفاصيل هذا الوطن، وما بُني عليه وما كُون لأجله، فهويته العربية لا تُمَس، ودينه العظيم لا يُمَس، ومنظومته الأخلاقية لا تُمَس، ولُغَته الأصيلة لا تُمَس، هي ركائز قام عليها وسيبقى راسخاً ما دامت راسخة، ومن عبث بواحدة منها فقد خذل وطنه وأساء إليه ولن ينفعه شيء حتى لو رفع فوق منزله ألف علم!
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة