حمل خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن حول حالة الاتحاد قبل أيام فكرة إنشاء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل قطاع غزة، وأمر جيش بلاده بالعمل على ذلك خلال ستين يوماً من تاريخ خطابه.
لكن الفكرة وإن كانت تحمل جديداً فيما يخص المساعدات الإنسانية لمدنيي غزة، إلا أنها مؤشرٌ خطير للغاية نتيجة الأسباب التالية:
أولاً: عجزٌ ظاهريٌ للولايات المتحدة الأمريكية عن إنهاء الحرب في غزة، وعدم وجود جدية لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته على اتخاذ خطوات حقيقية لوقف إطلاق النار، والتعامل بواقعية مع ملف المفاوضات الجارية في مصر وقطر.
ثانياً: يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن إرضاء اللوبي الصهيوني المتنفذ (إيباك) قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي لن يضغط البيت الأبيض بالقدر الكافي على إسرائيل، وستستمر شحنات السلاح الأمريكية في الوفود إلى تل أبيب.
ثالثاً: يضرب بايدن مع ناخبيه الأمريكيين الرافضين للحرب في غزة موعداً جديداً، من خلال فكرة الرصيف البحري العجيبة، قائلا لهم: إنها صيغة مناسبة أمريكياً لإيصال المساعدات الإغاثية، التي تصر إسرائيل على تفتيشها بشكل دقيق، ومنع وصول كميات معينة منها إلى أرض القطاع.
رابعاً: تتكدس المساعدات الإنسانية الضخمة على أبواب معبر رفح الفلسطيني، نتيجة التعنت الإسرائيلي، بينما تبذل مصر جهوداً حثيثة لتعزيز عمل المعبر وجعله مفتوحاً بشكل دائم، وهذا ما قاله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أكثر من مناسبة، لكن إسرائيل ماضية في عرقلة عملية وصول المساعدات الدولية.
خامساً: بمجرد إنشاء رصيف بايدن المقترح، واعتماد ميناء قبرصي لهذا الغرض كوجهة رئيسية لوصول سفن المساعدات، فإن الأمر سيطول والحرب في غزة ستدخل حيز الاستمرار لأشهر ربما، مما يفاقم المعاناة الكارثية للإنسان في فلسطين، كما أشار وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي قبل أيام.
سادساً: الانتخابات الأمريكية بحد ذاتها نقطة تحول وضعف في آن معاً لدى الإدارة الديمقراطية التي تحكم أمريكا الآن، وعلى هذا الأساس فإن السيناريوهات الترقيعية -إن صح التعبير-، هي أبرز ما يميل إليه بايدن الآن، للتغطية على الفشل الأمريكي الذريع في مختلف الملفات السياسية وحتى العسكرية حول العالم، لاسيما أزمة غزة المتفاقمة.
سابعاً: الحلول الحقيقية للأزمة الفلسطينية مؤجلة إلى حين، حتى إن تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة الدكتور محمد مصطفى، لن يجعلها قادرة على السيطرة على أوضاع القطاع فيما بعد الحرب؛ لأن التحديات كبيرة جداً، وحكومة نتنياهو ترفض مناقشة هذا الموضوع حتى اللحظة.
ثامناً: لدى الجانب الأمريكي أوراق ضغط مؤثرة -لو أراد استخدامها- حيال إسرائيل المفتوحة شهية رئيس وزرائها على الحرب، لكن واشنطن تنحي ذلك جانباً، ولا تزال تؤكد على ما تسميه مبدأ «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وعليه فإن هذا المبدأ يجعل الشعب الفلسطيني في غزة أمام خطر المجاعة والحصار والموت البطيء والسريع كل يوم.
وخلاصة القول في ذلك تتلخص في تحجيم دور نتنياهو للوفد المفاوض، وعدم قدرة الأطراف على إيجاد آلية بديلة في المفاوضات، من أجل البناء عليها، أو الذهاب لهدنة طويلة أو قصيرة، والأمور هنا تحتاج إلى مزيد من الوقت كي تكون الحلول ناجزة، بينما الوقت في غزة من دم، والفلسطينيون المدنيون هم الضحايا للأسف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة