الزراعة صديقة المناخ.. «أرضي» برنامج مستدام لتوفير الغذاء للأجيال القادمة
إعلان الإمارات للزراعة والنظم الغذائية المستدامة إحدى ثمار «COP28»
تحويل قطاع الزراعة ليصبح أكثر صموداً في مواجهة التغيرات المناخية، أحد الخيارات الواعدة لتحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص العمل.
جاء «إعلان الإمارات بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية القادرة على الصمود والعمل المناخي» واحداً من المبادرات التاريخية، التي أعلنت عنها رئاسة مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
يهدف «إعلان الإمارات»، الذي حظي بتأييد ممثلين عما يزيد على 153 دولة، إلى معالجة الانبعاثات العالمية لقطاع الزراعة، وحماية حياة المزارعين وسبل كسب عيشهم، مع التركيز على التخفيف من آثار تغير المناخ على المجتمعات المحلية المعرضة للخطر.
وبينما يمثل الإعلان لحظة محورية للتأكيد على الدور الأساسي والمتكامل للنظم الزراعية والغذائية المستدامة في مكافحة تغير المناخ، فقد تعهدت البلدان الموقعة على الإعلان، التي تمثل أكثر من 5.7 مليار نسمة، بتدعيم النظم الغذائية، وزيادة القدرة على تحمل تغير المناخ، والحد من الانبعاثات.
- الأرض الخضراء.. هكذا سيغير المناخ وجه نيوزيلندا مستقبلا
- الجفاف في المغرب.. 1.8 مليار دولار من الحكومة لمواجهة تداعياته
ممارسات زراعية أكثر كفاءة في استخدام المياه
وفي سبيل تعزيز قطاع الأغذية الزراعية، في مواجهة الاضطرابات في أنظمة الغذاء العالمية، نتيجة نقص المياه، وموجات الجفاف الشديدة، ودرجات الحرارة التي بلغت مستويات غير مسبوقة، أطلق البنك الدولي برنامجاً جديداً لتعزيز النظم الغذائية، يجري تنفيذ المرحلة الأولى منه بالتعاون مع الحكومة الأردنية.
يتضمن برنامج «أرضي»، الذي يأتي ضمن مبادرة البنك الدولي لتوفير الغذاء للأجيال القادمة، بتكلفة تبلغ 125 مليون دولار، اعتماد ممارسات زراعية أكثر كفاءة في استخدام المياه ومقاومة التغيرات المناخية، من خلال إتاحة التمويل لنحو 30 ألف أسرة يعمل أفرادها في الزراعة، بالإضافة إلى توفير 12 ألف فرصة عمل جديدة، خاصةً للشباب والنساء.
وبالفعل، بدأ عدد من الأردنيين المستفيدين بالتمويل الذي يقدمه برنامج «أرضي»، في تحقيق نتائج فعلية، من بينهم سيدة تُدعى «سهام بني مصطفى»، من صغار مزارعي الفاكهة في قرية «سوف»، بمنطقة «البرج»، التي تبعد حوالي 60 كيلومتراً عن العاصمة عمان.
وفق تقرير للبنك الدولي، تلقته «العين الإخبارية»، حصلت «سهام» على منحة لإنشاء نظام لتجميع مياه الأمطار خلال الشتاء، واستخدامها في ري أشجار الفاكهة وأصناف الخضراوات التي تقوم بزراعتها، دون الانتظار لخدمات توصيل المياه، التي تجري مرة كل أسبوعين، وفي كثير من الأحيان تتأخر إمدادات المياه أكثر من ذلك.
تحدثت المزارعة الأردنية عن تجربتها بقولها إنها كانت شديدة الحذر في استخدام المياه، ومع ذلك فإن الكميات التي كانت تحصل عليها ضمن خدمات توصيل المياه، لم تكن كافية لري زراعاتها، إلا أن الوضع تغير الآن، بعد بناء خزان لتجميع مياه الأمطار، وقالت: «لم نعد قلقين الآن بشأن إمكانية الحصول على المياه، فقد أصبح لدينا اكتفاء ذاتي منها».
وأشارت إلى أن مزرعتها الصغيرة تنتج ثماراً خالية من المبيدات، تبيع الفائض منها في الأسواق المحلية، مما يوفر لها مصدراً إضافياً للدخل، بالإضافة إلى مصدر رزقها الأساسي من خلال عملها في صناعة الصابون التقليدي.
إجراءات غير تقليدية لتحقيق توازن العرض والطلب على المياه
ووفق بيان لمجموعة البنك الدولي، فإن المملكة الأردنية، مثل العديد من بلدان العالم، تسعى إلى إيجاد سبل لمعالجة المخاوف المتزايدة من انعدام الأمن الغذائي، وفي العام الماضي، أطلقت الحكومة استراتيجية وطنية جديدة للأمن الغذائي، تحدد إجراءات معينة من أجل تقوية الأنظمة الغذائية وتوفير فرص العمل.
ويُعد الأردن واحداً من أكثر بلدان العالم شحاً في المياه، ويعتمد إجراءات غير تقليدية لتعزيز الكفاءة، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب على هذا المورد الثمين، فيما يعتمد نحو ربع الفئات الفقيرة من السكان على الزراعة، في كسب قوتهم.
ورغم أن الزراعة الأولية لا تسهم إلا بنسبة 5.6% من إجمالي الناتج المحلي، إلا أن الأمر يختلف عند تضمين أنشطة سلاسل القيمة ذات الصلة، حيث يساهم قطاع الأغذية الزراعية، الأوسع نطاقاً، بما يتراوح بين 20 إلى 25% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
وتتمثل إحدى الأولويات في صقل المهارات، وتدريب جيل جديد من المزارعين والمتخصصين الزراعيين، على استخدام أساليب تتطلب كميات أقل من المياه، وزراعة محاصيل أكثر مقاومة للجفاف، وغيرها من التهديدات المرتبطة بالمناخ.
من بين المستفيدات بهذا البرنامج «فاطمة أبو عقليق»، تبلغ من العمر 22 عاماً، خريجة جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، حيث تلقت تدريباً على الزراعة المائية وتربية الأسماك، وتعمل حالياً في «مشتل فيصل» للنباتات في جرش، وهي منطقة جبلية تقع إلى الشمال الغربي من العاصمة عمان.
تقوم «فاطمة» بتوظيف مهاراتها الجديدة في العمل بالمشتل، حيث تنمو الأسماك في خزان، والنباتات في خزان آخر، ويتم تحويل العناصر الغذائية التي تنتجها الأسماك إلى منتج سماد غير كيميائي يغذي النباتات بعد ذلك، وباستخدام هذا المنتج الثانوي من الأسماك، يتم تجنب استخدام الأسمدة الكيماوية على الخضراوات.
نظم زراعية غير تقليدية تحقق عائدات هائلة
«لينا مدلبوح»، فتاة أخرى تعمل بمجال الزراعة المائية والهوائية، خريجة هندسة من نفس الجامعة، تقوم بزراعة النباتات في بيئة تعتمد على رذاذ الماء، ما يلغي الحاجة إلى التربة، وتقوم مع عائلتها بزراعة توابل «الزعفران» غالية الثمن، باستخدام حاضنة مغلقة، للحفاظ على بصيلات الزعفران، التي تزرع في الداخل، ولا تتعرض للأحوال الجوية بالغة الشدة، أو الأمراض التي تنقلها التربة.
وتؤدي هذه الزراعة إلى زيادة غلة المحاصيل، ولكنها تتطلب رعاية يومية مكثفة، ولهذا استأجرت عائلة «لينا» بعض الشبان من السكان المحليين للمساعدة في رعاية الزعفران.
ويقوم برنامج «أرضي» بدعم تجديد بعض المشاتل في المملكة الأردنية، مثل «مشتل فيصل» في جرش، كما أنه يوفر مدارس حقلية للمزارعين، لتعزيز مهاراتهم في الأساليب المراعية للمناخ، والحلول الرقمية، بغرض مساعدتهم على إيصال منتجاتهم إلى الأسواق بسرعة أكبر.
وأكد «إبراهيم هاني الحراحشة»، مزارع من بلدة «قفقفا» بمحافظة جرش، أن خزانات تجميع مياه الأمطار، التي يوفرها برنامج «أرضي»، ساعدت كثيراً في تغيير طبيعة الأرض، وقال: «تجميع مياه الأمطار سمح لنا بزراعة الأرض، والآن أصبحت خضراء، بعد أن كانت شبه صحراوية».
وفي محافظة الزرقاء، التي تُعتبر جزءاً من الصحراء الشاسعة في شرق الأردن، يعتبر الحفاظ على المياه أمراً بالغ الأهمية، ولذلك امتد برنامج «أرضي» لمساعدة عدد من المزارعين والرعاة في تلك المحافظة الصحراوية، من بينهم «مفلح الشرفات»، أو «أبوعايد» كما يطلق عليه أهالي منطقة «الأزرق»، الذي حصل على منحة لإنشاء خزان لتجميع مياه الأمطار.
قبل بناء الخزان، كان يتوجب على «أبوعايد» أن يقطع مسافات طويلة بالسيارة، للحصول على المياه لقطيع أغنامه، أما الآن فـ«يمكنها الشرب بسهولة»، بحسب قوله، وأضاف: «لقد جلب لنا الخزان الكثير من الراحة في أنشطة الرعي اليومية، ووفر علينا عناء السفر بالسيارة، حيث اعتدنا تحمل الكثير من المصاعب عند الذهاب في رحلات طويلة لجلب المياه».