بالفيديو.. عربة الفول لم تعد للرجال فقط.. مصرية تتحدى المألوف
أثار وجود العربة الملونة فضول المارة، ليكتشفوا أن العربة هي عربة فول ذات طابع مختلف لكونها عربة فول تؤسسها وتديرها فتاة مصرية.
عربة صغيرة ملونة مضيئة بالأنوار مدون عليها كلمة "فول يولوجي"، بجوارها عدة كراسي ومناضد تتأخذ من أحد شوارع حي مصر الجديدة شرقي القاهرة موقع ثابت لها طوال شهر رمضان الكريم، تقف بجوارها فتاة تشبه الكثير من المصريات اللاتي تلمح في أعينهن مزيج بين الموهوبة والإبداع وحب المغامرة والحماس، الذي يرفض روتين الوظيفة الثابتة ويبحث عن تجربة تشبه شخصياتهن وطموحهن.
وأثار وجود العربة الملونة فضول المارة وسكان المنطقة، ليكتشفوا أن العربة هي عربة فول ذات طابع مختلف ليس فقط من حيث الاسم والتصميم والشكل، ولكن كونها عربة فول تؤسسها وتديرها فتاة مصرية.
الهواية والطموح.. دافع لـ"عربة الفول"
اهتمامها وشغفها غبر المسبوق بتطوير هوايتها في الطهي، ورفضها للالتحاق بوظيفة ثابتة والروتين المتعلق بالعمل المكتبي ومواعيد الحضور والانصراف، دفعها دون تفكير أن تترك جميع المهن التي التحقت بها، وأن تتخلى عن الراتب الثابت، وترفض العمل بمجال دراستها المتعلق بالإعلام، لتؤسس عربة فول بأحد شوارع القاهرة.
" دي حاجة ترضيني أني اشتغل حاجة بحبها" بهذه العبارة تحدثت صافي محمود صاحب عربة "فول يولوجي" وهي في العقد الثالث من عمرها، خلال لقائها مع بوابة "العين" الإخبارية، مستهلة حديثها بكل حماس عن التجربة قائلة "أنا كنت عايزه أبعد عن روتين الوظيفة الثابتة، وفكرت أني أعمل حاجة مختلفة بعيدة عن مجالي، واللي خلاني أفكر في مشروع أكل كان حبي للطهي، واستغليت الهواية في أن تكون بيزنس في نفس الوقت، ولأني فكرت في المشروع قبل رمضان الماضي بأيام قليلة، فقررت أن المشروع يكون مرتبطاً برمضان، وطبعاً وجبة الفول هي أساسية ورئيسية لكل الطبقات في السحور".
عربة الفول للرجال فقط.. مخاطر التجربة
ويعود تاريخ الفول إلى عصر الفراعنة، حيث حرص المصريون القدماء على تناوله، ومع تطور الأسرات الفرعونية تتطور مسمياته من "متمس إلى مدمس إلى بيصورو" حسب طريق الطهي، ولكن تصدرت "قدرة الفول" الأواني المناسبة لإعداده، وصنعت في البداية من الألومنيوم ثم النحاس بأحجام مختلفة.
فصعوبة التجربة وحجم المخاطرة التي حملتها "صافي" على اكتافها في لحظة التفكير واتخاذ القرار، لم تختزل فقط في ترك الوظيفة والابتعاد عن المؤهل الدراسي، بل امتدت المخاطرة لأسباب أخرى، خاصة أن طوال القرون الماضية رسخ في أذهان المصريين أن العمل بعربة الفول هو أمر مقتصر على الرجال فقط، نظراً لأن العمل يمتد لساعات متواصلة بالليل أثناء سحور رمضان، وأن طهي الفول له أسرار لا يعلمه سوى ورثة عربات الفول من الرجال، فضلاً عن أن نظرة المجتمع نفسه ستقلل من شأن عمل الفتيات بهذه المشروعات، ودائماً ستعقد مقارنات غير منصفة للمرأة.
وفي وسط التحديات، تمكنت الفتاة المصرية صافي محمود من خوض التجربة، تاركة وراءها كل الأفكار السلبية المهددة لحلم تنفيذ مشروع عربة الفول، خاصة أنها تمتلك قناعة بأن العمل لا يحدد بناءً على جنس الإنسان، وتقول "فكرة أن المرأة لا تمتهن بعض الأعمال غير منطقية، فالعمل غير محدد لشاب أو فتاة، ولو هناك فكرة ينفذها رجل، فالأمر واحد يجوز للفتاة تنفيذها أيضاً".
وبالرغم من الانتقادات التي وجهت لعربة "فول يولوجي" في البداية، نظراً لأن التجربة هي الأولى من نوعها، لم تنتبه صافي لهذه العبارات مستكملة مشوارها بخطوات ثابتة ومرتبة، لعشقها الجم للمشروع وهواية الطهي، ورغبتها في خوض تجربة مختلفة، فضلاً عن الدعم الذي وجدته من أسرتها وأصدقائها.
فتسرد صافي قولها بابتسامة عريضة تملأ وجهها " كان لدي تخوف من موقف أسرتي مثل أي أسرة مصرية شرقية ربما تعارض العمل بعربة فول لساعات متأخرة، ولكن موقف والدي كان داعماً لي بشكل كبير، ليحفزني على خوض التجربة وتعمل فنون الطهي بشكل أفضل، وأصدقائي هم داعمون للفكرة ومشجعون لاستمرارها، ما دفعني أن أخوض التجربة للنهاية". لتبدأ وهي في العقد الثالث من عمرها، تجربة عربة الفول في رمضان الماضي بتقديم وجبات السحور على عربتها الصغيرة، وبأقل الإمكانيات نجحت في جذب الزبائن عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
التحديات تصنع الإبداع
"لما فكرت في المشروع كنت محتاجة أنها تكون مختلفة في التصميم والشكل" بهذه العبارة وصفت صاحبة أول عربة فول نسائية بالقاهرة، سبب اختلاف التصميم وتسمية العربة، فشخصية صافي التي تبحث عن الإبداع ودفعتها لهذه التجربة المختلفة، هي أيضاً كانت الدافع لاختيار موقع عربة الفول، وطبيعة تصميم وشكل وألوان العربة، بالإضافة لتحديد اسم مميز لها، واختيار أدوات ومعدات مختلفة في الطهي.
لتهتم باختيار عربة صغيرة ليست في شكل عربات الفول التقليدية الخشبية والتي دائمًا تحملت عبارات معتادة، لكن صممت بشكل مبهج به ألوان متعددة يجبر الزبائن على الجلوس لتذوق الفول والأكلات الأخرى. وتبدأ صافي في ارتداء قفاز لونه أبيض"جوانتي" الأداة الأساسية المستخدمة أثناء إعدادها الفول ووجبات السحور، قائلة "جوانتي ده أساسي، والأطباق الفوم هي الأطباق المستخدمة في تقديم الفول وباقي الأطعمة، حتى تتأكد الزبائن من نظافة الأدوات، ويصبح استعمالها مرة واحد فقط، بالإضافة إلى غسل الخضراوات والأطعمة شيء أساسي أثناء مرحلة التحضير".
" فول يولوجي.. يعني علم الفول لأن كل حاجة لها أساس علمي، وكنت بدور على اسم مختلف زي ما كانت الفكرة والتصميم مختلفين" هكذا فسرت السر وراء تسمية مشروعها، لينجح الاسم المميز في جذب عشرات الزبائن، فضلاً على أن المذاق الشرقي للفول وأسعاره المناسبة لكل الطبقات ساهمت في استمرار المشروع لمدة عام.
الحماس يطور الفكرة
حبها وحماسها للمشروع لا يجعلها تشعر بالإرهاق والتعب مع تعداد المهام من إعداد الطعام والطهي وتحضير الأدوات وتجهيز الوجبات قبل السحور، لتداعب الأفكار خيالها فتقول “عندما وجدت إقبالاً على عربة الفول، فكرت في تطوير المشروع وتحويل العربة من موسمية مرتبطة بفترة السحور برمضان فقط، إلى عربة فول تعمل على مدار العام".
ونظراً لأن الإصرار على تنفيذ الفكرة، والصمود أمام لحظات الإحباط والتراجع، كانا عنصرين أساسيين لاستكمال الفتاة المصرية المشروع دون التفكير في مخاطر المنافسة والعمل بالشارع لساعات أطول، ترى صافي أن الحفاظ على الطابع الشرقي في التصميم والأدوات بـ"عربة فول يولوجي" والمذاق المختلفة يحفزها على تنفيذ المشروع بمناطق أخرى بالقاهرة.