شيماء النوبي.. أول مبتهلة مصرية تتحدى العادات والتقاليد
مع تعالي الأصوات الرافضة لاحتراف فتاة فن الابتهالات زاد طموح وحماس شيماء النوبي لتحقيق حلمها الذي راودها منذ الصغر
" صوت المرأة عورة"، " تبحثين عن شهرة فقط"، " لا مكانك ولا موهبتك".. عبارات وجمل تعجيزية وجهت لها طوال الوقت، ظنًا من مرددي هذه العبارات أن مجال الابتهال والإنشاد الديني مقتصر على الرجال فقط.
ومع تعالي الأصوات الرافضة لاحتراف فتاة فن الابتهالات والتواشيح الدينية والإنشاد، زاد طموح وحماس الفتاة المصرية شيماء النوبي لتحقيق حلمها الذي راودها منذ الصغر، لتصبح أول مبتهلة مصرية تدخل مجال الابتهال والإنشاد الديني.
الفتاة صاحبة الـ 28 عاما، لم تلتف يوما إلى وجهات النظر الهدامة التي تقلل من شأن المرأة في إتقان أصول فن الابتهال، وقدرتها على الاستمرار في تقديم حفلات وحفظ الابتهالات وتقديم التواشيح والأناشيد الدينية بشكل ارتجالي أمام المئات من الجماهير. ولكن النوبي ظلت صامدة أمام العادات والتقاليد رغم أصولها الصعيدية، لتصنع اسما بين كبار المبتهلين والمنشدين الدينين بمصر.
البداية.. عشق للابتهال وأسرة داعمة
وبمحافظة الأقصر، صعيد مصر، كانت البداية التي أشارت لوجود موهبة فنية، اعتادت سماع إذاعة القرآن الكريم، وحفظ ابتهالات كبار الشيوخ بالإذاعة، لتبدأ النوبي في تقليد الأصوات، والمشاركة في الأنشطة الفنية والعروض الشعبية والغنائية والرقص بمرحلة ما قبل الالتحاق بالمدرسة، لتتذكر النوبي أيام الدراسة ومشاركتها في الإذاعة المدرسية بغناء " تتر" المسلسل الديني القديم " لا إله إلا الله"، قائلة بحماس: "الأناشيد والتردد على بعض مساجد المحافظة، وسماع أصوات المبتهلين نصر الدين طوبار، وطه الفشني، وسيد النقشبندي، والذهاب للمعارض مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، ومنافذ لبيع شرائط الكاسيت بصوت القاهرة للصوتيات والمرئيات.. كانت أنشطة تزيد تعلقي بفن الابتهال كل يوم".
أسرة شيماء النوبي لم تكن يومًا عائقًا في رحلتها للوصول إلى المسرح، بل كانت والدتها هي الشخص الأول الداعم والمحفز لها على النجاح، منذ اصطحابها لمعارض الكتاب والندوات الفنية والثقافية، مرورًا بشراء الكتب وشرائط الكاسيت للشيوخ، وصولًا للانتقال والسفر إلى القاهرة لحضور الحفلات، واختيار الابتهالات والزي المناسب لكل حفلة، كما كان الأب متفهما لعشقها وتمسكها بالابتهال ولم يعترض في يوم خطواتها الثابتة نحو النجاح واحتراف الابتهال والإنشاد الديني.
احتراف الابتهال.. حفلات متعددة
فرق موسيقية وأناشيد دينية، ترددت الفتاة الصعيدية عليها منذ سن الـ 18 عاما، ولكن لم تجد أصول الإنشاد والابتهال الديني السليم الذي وجدته في أصوات النقشبندي، وطوبار، والفشني، وعلي محمود، ومحمد الفيومي، وإبراهيم الاسكندراني، ورغم انضمامها لفرق غنائية عديدة ودراستها لعلوم الحاسب الآلي، إلا أن هذه التغييرات والصعاب لم تثنها أبدًا عن تغيير مسار رحلتها.
"2014.. دي كانت الانطلاقة" تتحدث أول مبتهلة مصرية مع بوابة " العين" الإخبارية مسترجعة ذكريات قريبة لقلبها، فيعد هذا العام هو بداية التعرف على الشيخ زين محمود المبتهل والمنشد الديني المصري، لتلعب الصدفة دورا في الانطلاقة الحقيقة لـ النوبي.
وفي يوم ما قررت أن تتواصل عبر " فيس بوك" مع الشيخ زين محمود وترسل له ترنيمة الحلاج بصوتها، وكان رده " إنتي معانا في الشغل.. كنت بدور على الصوت ده من زمان"، لتضعها هذه الإشادة في مأزق وتحد كبير أمام نفسها وأمامه، بعد أن أرسل لها " مربعات ابن عروس" بأكثر من مقام لتنطلق بها أمام الجمهور في أول الحفلات بعد أشهر قليلة من حديثهما الأول معًا.
الارتجال وقوة الصوت.. أدوات النوبي
وعن شعورها أثناء الحفلات، تقول النوبي بملامح يرتسم عليها الثقة التامة: "الخوف عمره ما كان عائق أمام الفنان، لكن بيدعم التركيز أمام الجمهور أكثر، ومع الاحترافية بمرور الوقت تستطيع إخفاء التوتر" متذكرة رد فعل الجمهور بإحدى الحفلات عندما انتهت من تأدية أغنية "لسه فاكر" لكوكب الشرق أم كلثوم، ليقول أحدهم بحماس " كملي متوقفيش". وفي الوقت نفسه وجدت في بداية الطريق ردود فعل غير مشجعة لعدم تقبلهم وجود مبتهلة دينية، لكن سريعًا استطاعت النوبي أن تترك بصمة لدي الجمهور في حفلات داخل وخارج القاهرة، مشيدين بقوة صوتها ودقة ألفاظها وقدرتها على الارتجال.
"الروح والصدق.. الصوت القوي بدون ادعاء" تعد الأدوات الأساسية التي تستعين بها النوبي أثناء الابتهالات، لتصل درجة تأثرها بمعاني الكلمات لحد البكاء، ولحبها الجم لفن الابتهال وأصوات الشيوخ تسعي شيماء لتطوير قدراتها بالاستماع والقراءة الدائمة، وتحديد الزي المناسب لكل حفلة بناءً على الطبيعة الابتهال أو الإنشاد أو الفلكلور الذي يقدم، فضلًا عن طبيعة لجمهور ومكان الحفلة.
الابتهال.. طموح ومشروع فني
وفي منزل بحي السيدة زينب بوسط القاهرة، يحتوي على كتب للأشعار، وكتب عن سير الذاتية للمبتهلين المصريين، تشدو شيماء بتوشيح " أمدح المكمل" للشيخ محمد الفيومي، لتسرد في قولها الفرق بين الابتهال والإنشاد الديني، " الابتهال ليس مهنة ولا وظيفة، فن ارتجالي بالأساس، يعتمد على الارتجال اللحني وارتجال الكلمات، يتطلب أدوات إذا امتلكها الشخص استطاع تقديم التواشيح والإنشاد، بينما التواشيح تلزم الشخص بمقام موسيقي محدد".
وبملامح يرتسم عليها السعادة، تتحدث المبتهلة المصرية عن مدرسة الشيخ زين محمود، ودورها في تدريب كوادر في فن الابتهال والتواشيح، والفنون اليدوية والتحطيب والتنورة، لتتدرج مهمتها من إدارة المدرسة إلى رئيس مجلس إدارة جمعية جمع التراث الفني التابعة لها.
ولكن طموح النوبي لم يقف عند الظهور بالحفلات، وإدارة المدرسة وتدريب الكوادر فقط على الابتهال والإنشاد الديني، بل يمتد إلى البحث والدراسة في تاريخ الابتهال والتواشيح والإنشاد الديني، وتعود هذه الفنون إلى عهد الدولة الفاطمية، لتصبح مدرسة الشيخ علي محمود إمام المبتهلين، هي المدرسة الأولي لرعاية الابتهال بشارع المعز بالقاهرة القديمة.
وبلهجة قوية ممزوجة بالدموع، تتمني النوبي تحقيق انتشار شخصي لها حول العالم، والتعريف بالمدرسة المصرية الأساس في عالم الابتهال، لتستكمل خطوات مشروعها البحثي لتوضيح الفروق بين الابتهال والإنشاد والتواشيح والغناء، مستهدفة حماية الفن من الاندثار خاصة مع غياب الدعم الحقيقي من قبل المؤسسات الفنية للابتهال وتاريخ المبتهلين بمصر.