صناعة اللعب نموذجا.. كيف تغيرت معايير الجمال في كرة القدم؟
لم تعد المعايير التي تحكم بها الجماهير على جمال كرة القدم هي نفسها المعايير التي كانت تحكم بها قبل سنوات.
خلقت التطورات المتسارعة للعبة معايير جديدة، تختلف كثيرا عن تلك المعايير التي نشأ عليها الجيل الأكبر من الجماهير، ويتضح ذلك في كل أمر من الأمور المتعلقة بكرة القدم.
صناعة اللعب نموذجا
لكل لاعب كرة قدم مهمة أساسية، فتكمُن مهمة حراس المرمى والمدافعين، في الدفاع عن المرمى، في الوقت الذي يقوم فيه المهاجمون بتسجيل الأهداف، بينما يقوم لاعبو خط الوسط بقليل من كلا الأمرين.
يوجد صانعو الألعاب قليلاً بين تلك الخطوط، بحثًا عن نقاط الضعف، ونظرًا لأن جمهور اللعبة أصبح أكثر ذكاءً، فقد بدأ الاهتمام بشكل أكبر بالإحصائيات التي تحدد هذا النمط.
أصبح اللاعبون أصحاب التمريرات الحاسمة يتصدرون أعمدة الصُحف إلى جانب الهدافين، لكن تظل تلك الفكرة ضحلة نسبيًا، فماذا عن اللاعب الذي يرى ويستكشف الثغرات، لكن زملاءه غير قادرين على استغلالها، ماذا عن الشخص الذي يستطيع الاحتفاظ بالكرة في ظل مواجهته لدفاع مُفترس؟
تغير معايير الجمال
الكثيرون لا يوافقون أنصار مانشستر سيتي في الرأي، عندما يقولون إن ديفيد سيلفا هو أعظم لاعب جاء إلي ناديهم في كل العصور، حيث يخضع الموقف حاليًا للتساؤل، ومع سلالة جديدة من صناعة اللعب، تغيرت المعايير لدى الجميع.
على الوجه الأول للعُملة، وبالنسبة لصناع اللعب التقليديين، فإن عملية صناعة اللعب ليست سهلة لديهم إطلاقا، فعندما لا يمررون الكرة إلى الثلث الهجومي، يتساءل العالم عن الغرض من هؤلاء اللاعبين.
لكن على الجانب الآخر من نفس العُملة، يوجد الادعاء بأن الإبداع خفي لدرجة أن العين المجردة للمشاهد العادي لا تراه، لذا لا يوجد أي من هؤلاء اللاعبين خارج نطاق اللوم، وجميعهم معرضون للانتقاد.
لاعبون مزاجيون
ليس من قبيل الصدفة أن يكون اللاعبون الأكثر إبداعا مزاجيين، ففرانشيسكو إيسكو معروف بتقلباته المستمرة، ولويس ألبرتو لم يحظ بموسمين متتاليين بنفس المستوى، وقد استغرق كريستيان إريكسن وقتا طويلا للوصول إلي المكانة التي تمتع بها في توتنهام قبل رحيله.
يخضع هؤلاء اللاعبون لظروف فريدة، لأنهم يعتمدون أكثر من أي نوع آخر من لاعبي كرة القدم على الأمور المحيطة بهم لكي يكون أداؤهم فعالاً حقًا، يتطلب نوع إيسكو أو سيلفا أو إريكسن الحركة الصحيحة للأمام، ووصول الكرة إلى أقدامهم في مواقف معينة، وأن يكون شكل فريقهم منظما لاستغلال قدراتهم حول منطقة الـ18.
بشكل مؤكد، تعكس هذه الأمور الحالة المزاجية العامة، فقط في بعض الأحيان يحتاج صانع الألعاب أن يغير بنفسه شكل فريقه أو يكسر نمط اللعبة بنفسه.
كيفية إيقاف صناع الألعاب
نادراً ما يكون هناك نقاش حول المقاومة التي تواجه صانع الألعاب، فهم دائمًا ما يكونون هدفًا في خطط المدير الفني للفريق المنافس، أي مدرب يواجه مانشستر سيتي حاليًا من المفترض أن يقضي جزءً من أسبوعه يستعد لإبطال مفعول دي بروين.
قد يتضمن ذلك أسلوب مراقبة رجل لرجل، ولكن أيضًا قد يتضمن تعليمات محددة لما يجب أن يفعله فريقه عندما يمتلك اللاعب البلجيكي الكرة، ربما سيشمل ذلك تغييرات في عمق الخط الدفاعي ومستوى أعلى من التدخلات، وقضاء وقت طويل في محاولة منع هؤلاء اللاعبين من التأثير في المباراة.
وعلى الرغم من كل التحليل المسبق والإعداد الدقيق، لكن الأفضل هو استخدام أسلوب لعب الفريق الطبيعي أو الدفاع عن المساحات والمنطقة بأكملها.
بين برشلونة ومانشستر سيتي
كانت إحدى نقاط القوة العظيمة في برشلونة طوال السنين الماضية هي اتساع خياراتهم الإبداعية، ربما يكون أندريس إنييستا رئيس تلك المجموعة، لكن تشافي هيرنانديز كان عضوًا مؤسسًا أيضًا لفترة طويلة، تحت هذا السطح تواجدت طبقة ثانوية من الإبداع.
ليونيل ميسي هو مثال واضح، لكن جوردي ألبا، نيمار، داني ألفيس، سيرجيو بوسكيتس ولويس سواريز تحملوا مسؤوليات متشابهة في مناطق مختلفة من الملعب، عند الاستعداد لمواجهة فريق برشلونة، ما مدى تعقيد مجموعة من التعليمات الدفاعية لمواجهة كل هذه التهديدات المختلفة؟ مراقبة لاعب واحد وخلق مساحة أكبر لشخص آخر يمثل خطرا مشابها.
هيمنة مانشستر سيتي على كرة القدم الإنجليزية في السنين الماضية تجعلهم بالتأكيد قابلين للمقارنة مع برشلونة، إنهم يستمدون القوة من العديد من الحلول المختلفة، واستخدامهم للكرة بداية من حارس المرمى إيدرسون.
اتساع الأفكار ونطاق التنفيذ في الجزء الأمامي من الملعب يجعل من المستحيل على الدفاعات إستخدام المراقبة الفردية معهم، يقوم دي بروين بكسر استراتيجية الخصم، ولكن أي اهتمام يُعطى له حتمًا يخلق مساحة في مكان آخر.
ما يجب على صانعي الألعاب فعله
لكن هذا وضع غير عادي، لا تملك معظم الفرق الموارد اللازمة لإستخدام القدرات الإبداعية إلى هذا الحد، ومعظمها لا يتم تدريبها بشكل جيد مثل مانشستر سيتي، وبالتالي فإن اللاعبين الذين يتحملون عبء صناعة اللعب بأنفسهم في فرق غير محملة بنجوم كبيرة، عليهم أن يبقوا في حالة دائمة من التطور.
على صناع اللعب إما أن تُنوع سماتهم وأفكارهم بمعدل أسرع من قدرة خصومهم على قراءتها والتنبؤ بها، أو أن يصبحوا غير مفيدين مستقبلًا.
من منظور آخر، لا يمكن أبدًا تحديد تأثير صانع الألعاب مسبقًا، فمثلا يمكن للأظهرة والأجنحة أن تركض طوال اليوم علي الخط، وتلعب العرضيات داخل منطقة الجزاء، ويمكن لمنفذي الكرات الثابتة التدريب دائمًا على لعبها بشكل ممتاز، ولكن الشئ غير الممكن على الإطلاق هو معرفة كيف تخلق الفرص.
يجب أن يكون لدى صانع الألعاب غريزة مختلفة، وأن تكون لديه القدرة على التعامل مع ظروف اللعبة المتغيرة بشكل أسرع من أي شخص آخر.
لم يعد هناك لاعبون خارقون كما كان في الماضي، فالحدة المتمثلة في اللعبة الحديثة جعلتهم ذكري، لذا يجب أن تأتي الحلول بالإضافة إلى الركض، الاحتكاك البدني، وجميع الضروريات الأخرى، إذا لم يكن صانع الألعاب قادرًا على تحقيق هذا التوازن وتلبية التوقعات التي يحتاجها دوره، فلن يكون له مكان في اللعبة.