"كرة القدم ليست بهذه الأهمية".. جُملة كتبها جاري لينيكر، نجم برشلونة الإسباني السابق، قبل أكثر من عامين، ولكن يبدو أننا بتنا بحاجة لتأكيدها في كل زمانٍ ومكان.
كتب "لينيكر" هذه الجملة بالتزامن مع الإصابات المتزايدة بفيروس كورونا في بدايته، وتحديدًا في مارس/آذار 2020، قبل أن يتم تأجيل الدوري الإنجليزي وجميع مسابقات العالم في ذلك الحين، ليثبت بالدليل أن كرة القدم ليست بهذه الأهمية.
بالطبع ليس المقصود بتلك الجملة التقليل من أهمية اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ولكن دعني أستعِر عنوان مقال للكاتب باري جليندينينج في صحيفة "جارديان" البريطانية في مارس/آذار الماضي، وهو: "كرة القدم هي الشيء الأهم بين الأمور الأقل أهمية".
صحيح أن كرة القدم باتت تحجز مقعدًا أماميًا من فصول مسرحية حياتنا اليومية، ولكن دعنا نتفق أن يكون هذا المقعد للمشاهدة والاستمتاع فحسب، أما إن صارت أكثر من ذلك، فيجب أن ندرك أنها قد تخطت حدود إطارها الطبيعي، إلى نطاق يبدو أكثر خطورة.
هذا التحذير لا يأتي من فراغ، فمع اشتعال المنافسة في كرة القدم المصرية، والاستعداد لبدء الدوريات العربية المختلفة، بدا من الواضح حالة الشحن السائدة في الشوارع، والتي عبرت حاجز الحماس إلى مستوى آخر يمكن ببساطة أن يحمل اسم "التعصب".
لا يمكن أن يختلف أحد على القيمة المعنوية التي يمكن أن تضيفها كرة القدم إلى المشجعين، يكفي احتفال بهدف قاتل في الوقت بدل الضائع، أو بطولة غابت عن النادي لسنوات، أو لقب وُلد من رحم الأزمات التي كادت أن تعصف بالنادي بأكمله.
ولكن إذا كانت كرة القدم تمنحك هذه القيمة المعنوية، فهي لا تمنحك قيمة مادية، وإنما تمنحها للعناصر التي تعمل بها، من لاعبين ومدربين وعمال وإعلاميين، فالكل يستفيد منها ويحصد الأموال، إلا أنت، تدفع لكي تحصل على القيمة المعنوية المرغوبة.
وإذا كنت تريد حقًا انتزاع تلك القيمة المعنوية، فلا يجب أن تجرد نفسك من قيم أخرى أكثر أهمية، كقيم الإنسانية والصداقة، تلك القيم التي باتت مُهددة بالفقدان بسبب نزاعات لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا يجني أصحابها سوى الخسائر التي لا يمكن أن تعوضها أي مكاسب أخرى.
يقول الروائي البرازيلي باولو كويلو: "الصداقة ليست شيئًا كبيرًا، ولكنها مليون شيء صغير"، فتخيل أن تفقد تلك الملايين من الأشياء الصغيرة من أجل قيمة واحدة يمكنك اكتسابها دون أن تخسر أي شيء، يا لها من خسارة فادحة!
الحياة مليئة بأوجه المعاناة، وكذلك السعادة، فاحرص أن تنتقي منها ما يُسعدك ويخفف من عنائك، دون أن يزيدك عناءً آخر، استمتع بحياتك وهواياتك، كن شغوفًا بكرة القدم ومتيمًا بها، ولكن اعلم في النهاية أن الحياة أكبر من مجرد ملعب!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة