حسنا فعلت الحكومة على أعلى مستوياتها بأن تواصل الاهتمام بالشباب
حسنا فعلت الحكومة على أعلى مستوياتها بأن تواصل الاهتمام بالشباب، ليس فقط بواسطة مؤتمرات شهرية منتظمة للمتابعة، كما أحسنت أيضا الهيئة التنظيمية بإعطاء العديد من هؤلاء الشباب المتميز مسئولية إدارة الجلسات بهذا الاعداد الجيد والكفاءة..
ومع ذلك، ورغم أهمية الموضوعات المعروضة للمناقشة، فإننا لم نركز على الهدف المعلن لهذه المؤتمرات: الشباب أنفسهم.
حقيقة ماذا نعرف عنهم؟ أليست هذه البداية المنطقية والمطلوبة لأى سياسات قد نقوم بتطبيقها بدلا من الاعتماد على انطباعات غير علمية قد تصيب وقد تخيب؟ كيف يتشابه أو يختلف شبابنا عن الآخرين ـ سلبيا أو ايجابيا، خاصة وأن هناك بنوك بيانات حاليا عن الشباب، مصريا، عربيا وإعلاميا؟ هل سنستفيد من بنوك البيانات هذه؟
فقد أدى ابتعاد شبح الحرب النووية مع نهاية الحرب الباردة إلى أن تنظر المجتمعات المتقدمة بداخلها والاهتمام بتراكم معرفة علمية حقيقية عن بعض الجماعات الأساسية للحاضر والمستقبل: الشباب. من أهم الدراسات الرائدة فى هذا المجال فى العشر سنوات الأخيرة تقرير مهم من البنك الدولى فى 2008 عن «جيل فى الانتظار»، ولكن أرسل لى بعض الزميلات والزملاء من فنلندا وألمانيا بعض الدراسات المسيحية عن تنوع ومشاكل الشباب الأوروبى غاية فى الأهمية أيضا بما تحتوى عليه من مفاهيم تحليلية وإحصائيات عن هذه الفئة المهمة فى المجتمع.
وحاول برنامج الأمم المتحدة اللحاق بهذا الركب أيضا، فقام بتكريس تقريره الأخير عن التنمية الانسانية العربية لموضوع الشباب، وهو تقرير «سوداوى» إلى حد كبير، وقد يحتاج إلى مقال مستقل لتحليل بياناته ونتائجه، ولا أعرف بدقة كم كانت ميزانية هذا التقرير الأممى، ولكن الاتحاد الأوروبى قام منذ أربع سنوات بتخصيص ميزانية تربو على 4،5 مليون يورو للبحث الميدانى عن الشباب فى منطقة المتوسط. وأحدها الآن يقترب من نهايته بعد تجميعه كنز من البيانات والاحصائيات وكذلك وجهات نظر الشباب، خاصة فى دول متوسطية، مصر، لبنان، تونس، الجزائر، والمغرب بالمقارنة بالشباب وتحدياته فى أوروبا، وهو نتاج بحثى محترم يعكس ثلاثة أعوام من العمل الجاد من جانب 15 مؤسسة علمية من الجامعات ومراكز البحث فى أوروبا ومنطقة المتوسط. ماذا يقول لنا هذا الكنز المعلوماتى؟
بالطبع لن نستطيع فى مساحة المقال هذه سرد كل شئ، ولكن نركز هنا على بعض النتائج المتوقعة وكذلك غير المتوقعة، ليس بالنسبة للشباب المصرى فقط ولكن فى بلاد عربية أخرى، فأهم مميزات هذا المشروع الأوروبى هو نظرته المقارنة.. سأقتصر على تحليل أربع نتائج:
1ـ تأتى البطالة فى مقدمة مشاكل الشباب، وهى تتجاوز الاحصائيات الرسمية، ففى الجزائر مثلا أضاف تفشى البطالة تعبيرا جديدا فى كل من اللغة العربية والفرنسية: «الحائطيون»، أى الشباب الذى ينتهى به التسكع فى الشوارع بحثا عن عمل أو قتلا للوقت بأن يستند منهكا على الحائط!
فى مصر مثلا كانت اجابات الكثير من الشباب ـ وخاصة الشابات ـ غير متوقعة لأنها تفضل العمل الحكومى الذى لايجزى كثيرا. ولكنه رغم ضآلة مرتبه يضمن الاستقرار والحماية الاجتماعية، أى أن مقولة «إن سابك الميرى، اتمرغ فى ترابه» لاتزال باقية فى الثقافة الشعبية، ولكن لأن العمل الحكومى يسمح أيضا بأن تقوم بعمل إضافى لزيادة الدخل، ولو حتى على حساب العمل الحكومى الأساسى والذى يصبح شكليا فقط، ألا نفهم الآن لماذا تكون بعض المكاتب الحكومية شاغرة بينما الشوارع مكتظة فى أوقات العمل الرسمية؟!
2ـ يتفق الشباب فى مجموعة وفى كل الدول العربية على وضع مشكلة التعليم فى المقدمة، سواء من ناحية الشكل أو المضمون.. حتى هؤلاء الذىن أكملوا تعليمهم يشعرون بأن الكثير منه كان «تضييع وقت». بل يذهب العديد إلى أبعد من ذلك ليقرروا أن التعليم ـ بدلا من أن يستمر كوسيلة للحراك والرقى الاجتماعيين ـ أصبح الآن إنعكاسا وتدعيما للفوارق الاجتماعية.
تشير البيانات فعلا إلى الهوة بين من يدخل المدارس الخاصة فى القاهرة أو بيروت ومن ينخرط فى التعليم العام فى صعيد مصر أو جبال لبنان، أصبح التعليم عاملا أساسيا فى اللا مساواة الاجتماعية التى تمتد إذن إلى بقية نواحى الحياة فى مرحلة الشباب وما يتعداها، نمط التعليم الحالى إذن يدعم الفوارق الاجتماعية ويعيد إنتاجها بدلا من تخفيضها كما كان الحال فى الستينات مثلا.
3ـ عدم الثقة فى النظام السياسى والاجتماعى، أقلية ضئيلة جدا لا تتجاوز 5% من الشباب تنخرط فى الأحزاب السياسية، بل حتى تتردد الآن فى الذهاب إلى صناديق الانتخاب، إلا أحيانا فى المحليات ولأهداف شخصية بحتة، مثل تأييد مرشح تعرفه الأسرة أو للحصول على وظيفة أو منفعة خاصة، بل يمتد الشك وعدم الثقة إلى عدم المشاركة الاجتماعية، بما فيها الكثير من منظمات المجتمع المدنى.
4ـ إحدى النتائج غير المتوقعة فى معظم الدول العربية ـ باستثناء تونس ـ كانت فيما يتعلق بالهجرة. الفكرة الشائعة فى المنطقة العربية وكذلك فى أوروبا أن غالبية الشباب العربى تود الخروج بحثا عن رزق أو فرص جديدة، وقوارب البؤساء الذين يغرقون فى المتوسط تؤكد هذا الانطباع.
قد يكون هذا الانطباع سليما فيما يتعلق بالوضع فى سوريا أو العراق، أما من اعترفوا صراحة أنهم يرغبون فى الهجرة الدائمة فلم يتجاوزوا خارج هذين البلدين؟! أما معنى هذا؟ أن الغالبية الكبرى من الشباب المصرى والعربى قد ترغب فى السفر والاكتشاف، ولكنها لا تود الهجرة الدائمة، بمعنى أدق أن موجات الهجرة تأتى اضطرارا لا رغبة بسبب القتل والدمار فى ديارهم أو الظلم الاجتماعى وقلة الفرص. أى أن هذه النتيجة المسحية غير المتوقعة عن ضآلة نسبة من يرغبون فى الهجرة فعلا يتم شرحها بالمثل المصرى الشعبى «ماذا يجبرك على المر؟ الأمر منه».
يشكل الشباب ـ أى الفئة العمرية 12 ـ 29 عاما ـ الغالبية فى المنطقة العربية، ولكن أهمية هذه الفئة العمرية لاتقتصر على الناحية الكمية فقط، بل هى كيفية أساسا. فالشباب مجموعة ذات إبداع وتجديد، دم جديد يؤدى إلى مستقبل أفضل، الاهتمام بهم وبأحوالهم عن طريق سياسات ملائمة بناء على معلومات دقيقة سيجعل من هذا الشباب رصيدا للمستقبل بدلا من عبء حاليا وكذلك مستقبلا. ألا يجب إذن أن تكون السياسات تجاه الشباب أساس خطط التنمية 2030؟!
نقلا عن / الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة