لا أعلم كيف نستطيع أن نقطع اليد التي امتدت إلينا بالسلام، ونساند الذين قتلوه ونقف إلى جانبهم اليوم،
سماحة السيد: اليوم دخلت مع مجموعتي إلى أحياء في حلب الشرقية، وسمعت أبناءها يصرخون من الخوف والهلع والمصير المجهول. فكيف لنا أن نقتل من دخل الجوامع والكنائس وأغلق الأبواب ولم يخرج ليستقبلنا كالمحررين؟!
أنا الشاب حسين، من قرية في جنوب لبنان، الذي اعتقدت منذ ولادتي أننا أسياد تحريره وقادة مستقبله، ومن سيسعون إلى إعادة إعماره وازدهاره وتطويره، وتحسين الخدمات فيه من أجل أبنائه المحرومين من أبسط الحقوق، وهي "أوتوستراد" يربطنا بالعاصمة بيروت التي نزح عشرات الآلاف من أبناء قرانا وضيعنا وبلداتنا إليها.
لم يكن ليتحقق هذا الحلم لولا جهود مضنية بذلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إضافة إلى تعليمه عشرات الآلاف من أبناء جنوبنا المقاوم، لأكتشف يا سيدي -بعد أن أرسلتموني إلى سورية مع مجموعة من النخبة في حزب الله- أن ضباط وسادة هذا النظام الذي جئنا لننصره يتفاخرون بأنهم من قتلوا هذا الرجل الذي درست أختي في إحدى مدارسه! وتخرجت خطيبتي من إحدى جامعاته! ودرست ابنة عمي الشهيد في حزب الله على نفقته في فرنسا!
لا أعلم كيف نستطيع أن نقطع اليد التي امتدت إلينا بالسلام، ونساند الذين قتلوه ونقف إلى جانبهم اليوم، وليس لأي سبب! بل لقتل أبنائهم الذين استقبلونا كضيوف عندما نزحنا من جنوبنا وبقاعنا وضاحيتنا إلى سورية، حيث فتحوا لنا بيوتهم ومطاعمهم وجوامعهم وكنائسهم، ليقفوا إلى جانبنا، ولا يشعرونا أننا عبء ثقيل عليهم!
بل أكثر من ذلك، ففي دمشق وحلب وحمص، قدموا لنا منازلهم دون الحصول على بدل الإيجار، ووفروا لنا الطعام اليومي من المطاعم والمخابز دون أي مقابل.
سيدي: اليوم دخلت مع مجموعتي إلى أحياء في حلب الشرقية، وسمعت أبناءها يصرخون من الخوف والهلع والمصير المجهول.
وكانوا يطلقون نداءات الاستغاثة من الجوامع خوفا منا، فكيف لنا أن نقتل من دخل الجوامع والكنائس وأغلق الأبواب ولم يخرج ليستقبلنا كالمحررين؟!
لا يا سيدي، نحن لسنا هنا لنحرر، بل لنقتل ونشرد ونعذب، وننتهك أبسط حقوق هؤلاء الأبرياء في سورية، التي احتضنت أبناءنا طوال سنين، ولم يقصر شعبها عندما احتجناهم لإعادة إعمار ما خلفته حربنا الأهلية.
سيدي: لقد دخلنا بلدات تعرضت لأبشع أنواع القصف، ورأينا شبابها يعيدون إعمارها، وكأن هذا الشعب لا يعرف الاستيلام أو الهزيمة، أين أرسلتمونا بالله عليكم؟
هل مكافأة من انتسب إلى المقاومة ليسقط على حدود فلسطين، أن يتم إرساله إلى سورية ليعود في صندوق أصفر تخجل فيه أمهاتنا من أن تكذب على نفسها وتعتبر من بداخله شهيدا؟
سماحة السيد: إننا ونحن ننظر إلى أشجار الزيتون هنا، نراها تذرف الدموع على أطفال ونساء ورجال صمدوا 5 سنوات في وجه آلة الحرب السورية، الروسية، والإيرانية، التي كنا نحن جزءا منها. فأصبحت أطأطئ رأسي وأنا أمر في البساتين، حيث أشعر بأن أشجار هذه الأرض المباركة غاضبة، وترابها يرفض مرورنا فوقه. فإلى متى نكابر ونحن هنا نقتل البشر والحجر والشجر ولا نرحم؟ فكيف يرحمنا الله ويترحم علينا الإنسان؟
سيدي: لقد فقدنا ثقتنا بأنفسنا، وأصبحنا نشعر بالخجل من طائفتنا وانتمائنا الذي تشوهت صورته بسبب الفظائع التي ارتكبت باسمنا، فهل ستسمحون لأنفسكم بمراجعة خطواتكم التي اتخذتموها، وجعلتم أكثر من 200 مليون عربي ومسلم في الشوق الأوسط حاقدا علينا، ولا يرغب في بقائنا أو تقبلنا أو حتى العيش معنا؟
هل حقّا تم إنشاء حزب الله كي يستورد الثورة الإسلامية في إيران، ويستبدل عروبة وطني ومحيطه بنظام ولاية الفقيه التي لا أعرف عنها إلا ما تريدون لي أن أعرف؟
هل حقّا تحولنا من مقاومة إلى ميليشيا ترتكب المجازر؟ وهل حقا تفوقنا على إسرائيل نفسها في الإرهاب والقتل والتشريد والحصار والتجويع، أم أن حزب الله منذ البداية تأسس على هذه المبادئ وكذبتم علينا في الحسينيات والمجالس، عندما قلتم إنكم مقاومة للاحتلال الاسرائيلي، وها نحن نرى أنفسنا قوى احتلال تفوق إجرام الإسرائيلي وإرهابه؟
راجع نفسك واسحبنا من سورية، واسمح لنا بالعيش بين أبناء وطننا ومحيطنا بسلام، فلو نظرت إلى أعين القادة الإيرانيين والجنود والعناصر المشاركة في الحرب وهم ينظرون إلينا، لعرفت أكثر أننا بالنسبة لهم لسنا سوى عرب، وهم يرون في أنفسهم "الفرس" الأعلى قيمة وقدرا منا.
فهل لمثل هؤولاء نضحي بأنفسنا؟ وأنا شخصيا، هل جئت إلى هنا كي أكسر قلب والدتي التي تعبت حتى رأتني شابا تنتظر وخطيبته عودته من سورية لتفرح به وترى أولاده قبل أن تراه تحت التراب؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة