الجواب يكمن أساساً في مرحلة ما بعد معركة الموصل، على رغم أن المعطيات العسكرية تفيد بأنها ستطول ولن تنتهي
هي ثلاثية مستنسخة: «الجيش والشعب والمقاومة» في لبنان، و«الجيش والشعب والحشد الشعبي» في العراق. فإيران تستفيد من تجاربها «الناجحة» وتعمّمها، وما ترى أنه استطاع خدمة أهدافها في لبنان تنقله الى العراق والى أمكنة أخرى، والعكس صحيح.
في لبنان، تحولت «المعادلة الذهبية» التي أجبرت دمشق وطهران عبر «حزب الله» الحكومات المتعاقبة على تبنّيها، باعتبار أنها كانت تشير الى دوره في مواجهة إسرائيل، الى أداة لتبرير كل تجاوزات الحزب الداخلية وسياسة التعطيل التي يتبعها كلما أفلتت الأوراق السياسية من يده، ثم تحولت الى وسيلة لـ «تشريع» تجاوزاته الخارجية ومشاركته في الحربين الأهليتين السورية واليمنية، قبل أن تصبح مسوغاً لوضع اليد على المؤسسات والإمساك تماماً بالقرار السياسي.
وعملياً، فإن المعادلة الثلاثية ولدت مفرغة من الشريكين الآخرين. فـ «الشعب» هو فقط «البيئة الحاضنة» للحزب، أما المكونات الأخرى فلا حساب لرأيها أو رغباتها، ويمكن تجاوزها وإسكاتها بقوة السلاح مثلما حصل في أيار (مايو) 2008. في حين أن الجيش مغلوب على أمره، لا يملك أن يتخلى عن دوره لأن هناك من يقاسمه إياه، ولا يستطيع أن يواجه من يسرق مهمته لأن ذلك يخلّ بدوره ويجعله طرفاً في مواجهة أهلية يفترض أنه فوقها.
وفي حين حاول «حزب الله» في بداياته إخفاء توجهاته المذهبية بنسب نفسه الى تيار أوسع يتلطّى بـ «الصراع مع إسرائيل»، أملاً باستقطاب بعض «العروبيين»، ثم عاد فتخلى عن تحفظه سواء عبر كشف تورطه في التوازنات المذهبية في الداخل اللبناني، أو عبر رفع شعارات مذهبية عنواناً لتدخله في سورية، فإن «الحشد» العراقي لم يجد غضاضة منذ تأسيسه في الكشف عن وجهه المذهبي الفاقع، وإعلان ولائه التام لإيران عبر تسلّحه وتموّله منها وتسليم قيادته الى ضباط «الحرس الثوري».
وإذا كان الجيش اللبناني يحتفظ مبدئياً بهامش من الاستقلالية ويخضع للسلطة السياسية الممثلة برئيس الجمهورية ووزير الدفاع، والتي تتداخل في قرارها عوامل خارجة عن سيطرة «حزب الله»، فالسؤال هو عن حاجة سلطات بغداد المتحالفة مع طهران، والتي تملك جيشاً تمسك بقراره ويشبه الجيش الذي بناه حافظ الأسد في سورية وجعل كبار ضباطه يخضعون لمن هم أدنى رتبة منهم إذا كانوا من طائفة معينة، الى تشريع «الحشد الشعبي» واعتباره من «المنظومة العسكرية» وتخصيص نسبة له من الموازنة الدفاعية.
الجواب يكمن أساساً في مرحلة ما بعد معركة الموصل، على رغم أن المعطيات العسكرية تفيد بأنها ستطول ولن تنتهي قبل آخر السنة الحالية، مثلما توقع رئيس الوزراء حيدر العبادي قبل يومين. فتحرير الموصل يعني انكفاء «داعش» من العراق، علناً في الأقل، و«تفرّغ» بغداد، ومن ورائها طهران، لمعالجة «المشكلة الكردية».
وهنا بالذات يأتي دور «الحشد» الذي سبق له أن اشتبك مع الأكراد وهددهم في حال لم ينسحبوا من المناطق التي قد يدخلونها خلال معركة الموصل، أو من المناطق المتنازع عليها سابقاً، خصوصاً كركوك.
وتتسق هذه التهديدات مع الاتهامات التي وجهتها إيران الى الأكراد أخيراً، بأنهم يشركون في معركة الموصل مقاتلين من تنظيمين كرديين إيرانيين، واعتبارها ذلك تهديداً للأمن الإيراني.
وإذا كانت بغداد تلتزم الفيديرالية بموجب الدستور، ومضطرة لاحترام كيان الحكم الذاتي الكردي، فإن «الحشد» يبقى خارج هذا الالتزام، ما يعني أنه سيكون الأداة الإيرانية المرجحة في المواجهة مع الأكراد من دون تورّط إيراني مباشر. علماً أن «الحرس الثوري» سبق أن قصف مناطق كردية عراقية محاذية للحدود الإيرانية بذريعة لجوء مسلحين من أكراد إيران إليها.
ومثلما تحوّل «حزب الله» الى قوة عسكرية تخضع للقرار الإيراني في لبنان وسورية، يستعد «الحشد الشعبي» للعب دور مماثل في العراق خدمة للأهداف نفسها.
*نقلا عن الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة