لديّ قناعة بأن الولايات المتحدة لا يزال بإمكانها صياغة مستقبل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني قبل حدوث تغيير في الرؤساء.
لا نعلم بعد السياسة التي ستنتهجها الإدارة القادمة إزاء إسرائيل وفلسطين، لكننا نعلم تمامًا السياسة التي تتبعها هذه الإدارة. وتمثل الهدف الذي سعى الرئيس أوباما لتحقيقه في دعم التوصل لتسوية للصراع عبر التفاوض تقوم على فكرة دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام.
اليوم، تحيط شكوك خطيرة بإمكانية تحقيق هذا الهدف. من جانبي، لديّ قناعة بأن الولايات المتحدة لا يزال بإمكانها صياغة مستقبل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني قبل حدوث تغيير في الرؤساء، لكن الوقت المتبقي قصير للغاية. أما الخطوة البسيطة والحيوية التي يمكن لهذه الإدارة اتخاذها، قبل انتهاء فترة رئاستها رسميًا في 20 يناير (كانون الثاني)، فهي إعلان الاعتراف الدبلوماسي الأميركي بدولة فلسطين، الأمر الذي سبقتها إليه 137 دولة أخرى، والمعاونة في حصولها على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
عام 1978، خلال فترة إدارتي، وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن والرئيس المصري أنور السادات، اتفاق كامب ديفيد. واعتمد الاتفاق على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، الذي جرى تمريره في أعقاب حرب عام 1967. وتمثلت المبادئ الرئيسية المنصوص عليها بالقرار في «عدم قبول الاستيلاء على أرض عن طريق الحرب، والحاجة للعمل من أجل سلام عادل ودائم بالشرق الأوسط بحيث يمكن لكل دولة بالمنطقة العيش في أمان» و«انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراضٍ احتلتها في الحرب الأخيرة».
ونال اتفاق كامب ديفيد موافقة الأغلبية الساحقة داخل برلماني مصر وإسرائيل. وشكلت هاتان الفكرتان الرئيسيتان أساس سياسة الحكومة الأميركية والمجتمع الدولي منذ ذلك الحين.
ولهذا نجد أنه عام 2009 مع بداية عمل إدارته الأولى، أعاد أوباما التأكيد على العناصر المحورية الواردة باتفاق كامب ديفيد والقرار 242 من خلال الدعوة إلى تجميد كامل لبناء المستوطنات التي تبنيها إسرائيل على نحو غير قانوني على أراضٍ فلسطينية. في وقت لاحق، تحديدًا عام 2011، أوضح الرئيس أوباما أن «حدود إسرائيل وفلسطين ينبغي أن تقوم على حدود 1967»، مضيفًا: «ينبغي أن تثمر المفاوضات دولتين، مع وجود حدود فلسطينية دائمة مع إسرائيل والأردن ومصر، وحدود إسرائيلية دائمة مع فلسطين».
ومع هذا، نجد اليوم وبعد مرور 38 عامًا على توقيع اتفاق كامب ديفيد، يقف الالتزام بالسلام في مواجهة أخطار كبرى، خصوصًا في ظل بناء إسرائيل مزيدًا ومزيدًا من المستوطنات وتشريدها الفلسطينيين وترسيخها احتلالها لأراضٍ فلسطينية. وتكشف الأرقام أن أكثر من 4.5 مليون فلسطيني يعيشون بهذه المناطق المحتلة، لكنهم لا يحملون المواطنة الإسرائيلية. ويعيش الجزء الأكبر منهم تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، ولم يشاركوا بالتصويت في الانتخابات الوطنية الإسرائيلية.
في تلك الأثناء، يستمتع قرابة 600 ألف مستوطن إسرائيلي داخل فلسطين بمميزات المواطنة والقوانين الإسرائيلية. ومن شأن هذه العملية التعجيل بخلق واقع يقوم على وجود دولة واحدة، الأمر الذي قد يدمر الديمقراطية الإسرائيلية ويسفر عن تصاعد الانتقادات الدولية لإسرائيل بصورة بالغة.
من جانبه، استمر «مركز كارتر» في دعم حل الدولتين عبر استضافة مجموعة من النقاشات الشهر الماضي مع ممثلين عن إسرائيل وفلسطين، في خضم مساعي البحث عن سبيل نحو السلام. وبناءً على النتائج الإيجابية التي أثمرتها هذه النقاشات، فإنني على ثقة من أن اعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية من شأنه تيسير الأمر ذاته على دول أخرى لم تُقدم على هذه الخطوة بعد. كما أن ذلك سيمهد الطريق أمام صدور قرار من مجلس الأمن حول مستقبل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
من جانبه، ينبغي لمجلس الأمن تمرير قرار يرسم الخطوط العامة لتسوية هذا الصراع. وينبغي أن يعيد التأكيد على عدم قانونية جميع المستوطنات الإسرائيلية وراء حدود عام 1967، مع ترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية مناقشة الأطراف المعنية إدخال تعديلات. ومن الضروري توفر ضمانات أمنية لدى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ويجب أن يعترف القرار بحق دولتي إسرائيل وفلسطين في العيش في سلام وأمان. وينبغي اتخاذ إجراءات إضافية منها نزع تسليح الدولة الفلسطينية، ونشر قوة حفظ سلام تحت رعاية الأمم المتحدة.
وينبغي أن يؤكد أي قرار جديد من مجلس الأمن بهذا الشأن على أن اتفاقات جنيف والضمانات الأخرى المرتبطة بحقوق الإنسان تنطبق على جميع الأطراف طيلة الوقت، وأن يعلن كذلك دعمه لأي اتفاق تتوصل إليه الأطراف المعنية فيما يخص اللاجئين الفلسطينيين.
ومن شأن اعتراف الولايات المتحدة ونيل عضوية الأمم المتحدة وصدور قرار من مجلس الأمن، إرساء الأسس المناسبة لجهود دبلوماسية مستقبلية. ومن شأن هذه الخطوات تعزيز القيادة الفلسطينية المعتدلة، مع البعث في الوقت ذاته بتأكيدات واضحة للرأي العام الإسرائيلي باعتراف العالم بأسره بإسرائيل وأمنها.
في الواقع، هذا هو السبيل الأمثل - بل وربما الوحيد في الوقت الراهن - للتصدي لواقع الدولة الواحدة الذي تفرضه إسرائيل على نفسها والشعب الفلسطيني.
لقد كان الهدف الرئيسي على صعيد السياسة الخارجية الذي قضيت عمري محاولاً تحقيقه، المعاونة في إقرار السلام في إسرائيل وجيرانها. وفي سبتمبر (أيلول) 1978، شعرت بالفخر وأنا أمام جلسة مشتركة للكونغرس بينما جلس بيغن والسادات في شرفة فوقنا، ووقف أعضاء الكونغرس ليحتفوا بالبطلين صانعي السلام.
إنني أخشى على روح كامب ديفيد.. ويجب ألا نهدر هذه الفرصة.
* نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة