حدثت المفاجأة وفاز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، مكتسحاً في طريقه، وهو القادم من خارج المؤسسة الحاكمة،
حدثت المفاجأة وفاز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، مكتسحاً في طريقه، وهو القادم من خارج المؤسسة الحاكمة، كل منافسيه في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري (14 مرشحاً)، ومسقطاً من بعد كل أطقم المؤسسة الاحتكارية الحاكمة وأدوات آلتها الإعلامية المتكاملة معها، من وول ستريت إلى هوليوود، التي جُندت ضده ومعهم جميعاً مرشحتهم الرئاسية هيلاري كلينتون.
لم يبق أي سلاح لم تستخدمه مؤسسات الدولة العميقة لتعويم كلينتون وإسقاط ترامب، سوى سلاح أخير هو سلاح تزوير نتيجة التصويت، الأمر الذي حذر منه ترامب باللجوء للثورة عليه. وهكذا فإن نزاهة عملية فرز أصوات الناخبين، رغم ضراوة الحملة الانتخابية، تحولت إلى أول درس قدمته لنا الانتخابات الأمريكية. قد تكون «المؤسسة» ذُعرت من عواقب إقدامها على تدليس نتيجة الاقتراع، بعد تهديدات ترامب بخلق أزمة دستورية في حال حدوث ذلك، وقد تكون دفعت جيمس كومي رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي لإعادة فتح التحقيق في ملف البريد الإلكتروني الخاص بالمرشحة كلينتون، لتجريد ترامب من أي مسوغ قانوني يلجأ إليه في حال خسر الانتخابات.. قد يكون ذلك وارداً. إلا أن العبرة في الخواتيم، كما يقال. ف«المؤسسة» امتنعت عن العمل غير المشروع وتركت صندوق الاقتراع يقرر مصير «صراع الديكة».
ثاني درس قدمته الانتخابات، هو أن الإعلام الأمريكي الموالي، قام بمحض إرادته بتوريط نفسه في عملية تضليل فاضحة للرأي العام الأمريكي والعالمي حول حقيقة ميزان القوى الانتخابي بين المرشحين، بانحيازه الكامل والمكشوف ضد ترامب لصالح المرشحة هيلاري كلينتون.
ثالث دروسها يتمثل في أن السخط الشعبي قد بلغ مبلغه لدى قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي، لا سيما المهمشين في النواحي والأطراف، على فساد «المؤسسة» واحتكارها للسلطة والثروة، فكان أن حولت هذا السخط إلى تصويت غاضب ضدها من خلال منح أصواتها للمرشح الذي ناوأته «المؤسسة» وأرادت إسقاطه، ليس حباً فيه بالضرورة بقدر ما كان نكاية فيها. بالمقابل فإن حصول مرشحة «المؤسسة» على حوالي نصف أصوات المقترعين، يدلل على نجاح «المؤسسة» في استلاب عقول وقلوب نصف الشعب، كما هو نجاح «داعش» وأخواته في إغواء وسلب عقول الدهماء، على الرغم من أن «المؤسسة» تمثل وتذود عن مصالح نسبة ال 1% من السكان الذين يستحوذون على 40% من ثروة البلاد، مقابل نسبة متواضعة لا تتجاوز 7% لنسبة ال 80% من السكان (المصدر: سفالدي أولدو، «روبرت ريخ: اللامساواة في الدخل باعتبارها قضية جدلية في الولايات المتحدة، 2014)».
رابع هذه الدروس وأبلغها أن استطلاعات الرأي التي أجرتها وتجريها شركات استشارية ووسائط إعلامية، ليست محايدة كما يزعم منظموها. وإن هؤلاء المنظمين لاستطلاعات الرأي المتوالية التي أجروها لقياس اتجاهات الرأي العام الأمريكي تجاه المرشحين الرئاسيين، ترامب وكلينتون، كانوا ضالعين إلى جانب وسائل الإعلام الكبرى الرئيسية في عملية صناعة رئيس هو هيلاري كلينتون وتتويجها رئيساً للبلاد. وهي كانت طريقة مساهمتهم في الجهد الجبار الذي بذلته مؤسسات الدولة العميقة لتدليس الوقائع وتضليل الرأي العام بشأن حقيقة الموقف الانتخابي للمرشحين وحظوظ كل منهما في السباق الانتخابي. ولا يمكن قصر أمر فشل تنبؤاتها ونسبته إلى هامش الخطأ (الوارد حدوثه على أية حال بسبب صعوبة قياس أمزجة الناس وقراراتها في ضوء التأثيرات الهائلة والمتوالية التي تتعرض لها على أيدي آلة الضخ الإعلامي الرهيبة)، وإعطائها من ثم شهادة براءة لا تستحقها، وإنما يجب قراءة تكرار فشل تنبؤاتها (نتائج استطلاعات الرأي في بريطانيا حول استمرار بقاء بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي من عدمه، واستطلاعات الرأي بشأن نتيجة الانتخابات الأمريكية، واستطلاعات الرأي الأخيرة في فرنسا حول اختيار مرشح اليمين لانتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة، أحدث أمثلة) في سياق سياسة التضليل والقراءات والتحليلات الرغائبية التي شارك فيها أيضاً طيف واسع من المحللين السياسيين العرب.
* نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة