تشكيل حكومة تونس تحت التهديد الإخواني.. هل يفلت "المشيشي"؟
النهضة تقايض المشيشي بالوجود في الحكومة أو حرق البلاد، في استحضار لما فعلته حركة النهضة سنة 1991
مع تقدم المشاورات الحكومية في تونس، لا تتوانى حركة النهضة في بعث رسائل تهديد لرئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، ضمن نهج الابتزازي لتنظيم الإخوان في محاولة لتثبيت أركانها بالتشكيلة الجديدة.
وأمس الخميس، قال راشد الغنوشي، رئيس إخوان تونس، إن البلاد في خطر وبالإمكان أن تدخل في أزمة عميقة، أزمة تعجز فيها الدولة عن خلاص رواتب الموظفين، وينقطع فيها الكهرباء، وتنقطع معها خدمات أساسي، إذا ما تم إبعاد النهضة من الحكم.
ووفق سياسيين، فإن هذه الجمل المسترسلة من رئيس الفرع الإخواني في تونس ليست إلا مقايضة المشيشي بالوجود في الحكومة أو حرق البلاد، في استحضار لما فعلته حركة النهضة سنة 1991، عندما هم أنصارها برشق المواطنين بالزجاجات الحارقة، وحرق المقرات الحكومية، وتنفيذ تفجيرات في فنادق محافظتي سوسة والمنستير (شرق).
تهديد بالعنف
الناشطة والمحامية التونسية، فردوس بن علية، قالت، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن ما قاله الغنوشي هو بمثابة "كلمة السر" لأنصاره بأن يتبعوا منهج العنف إذا فكر المشيشي بتشكيل حكومة خارج دوائر الإخوان.
وأضافت أن حركة النهضة ترى في الدولة دائما وسيلة لخدمة أجنداتها، وذلك في إطار التفكير الإخواني العام الذي لا يهتم بتطوير المؤسسات، ووضع البرامج الكفيلة لبناء اقتصاد قوي، وإنما يهتم بالغنائم واغتصاب الدولة لصالح الطائفة الإخوانية.
وعلقت على خطاب الغنوشي أمام أنصاره بالقول إن "شيخ الإخوان أصبح يخوض معاركه الشخصية على حساب الدولة التونسية"، محذرة من مخططاته التدميرية بعد عزلته البرلمانية والشعبية.
ودعت شخصيات سياسية وكتل برلمانية في تونس رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي إلى إبعاد حركة النهضة من التشكيلة الحكومية القادمة.
وتنطلق هذه الكتل من قاعدة أساسية وهي أن الإخوان فشلوا في ممارسة الحكم منذ سنة 2011، وكانوا مصدرا للانهيار الاقتصادي وانتشار الجريمة والإرهاب وتنامي الفكر المتطرف.
وتتمثل هذه الكتل الرافضة لمشاركة حركة النهضة في الحكومة بالأساس في حركة الشعب القومية (18 مقعدا) ،وحزب التيار الذي يترأسه محمد عبو (22 مقعدا)، والدستوري الحر (16 مقعدا) وعديد الشخصيات السياسية غير المنتمية إلى الكتل البرلمانية على غرار النائب اليساري منجي الرحوي، ورئيس "صوت الفلاحين" فيصل التبيني.
تحذيرات الرئيس
ومرارا، حذر الرئيس التونسي قيس سعيد، في كل زياراته، من المخاطر الأمنية التي تهدد البلاد، ومن المؤامرات والدسائس التي يقع ترتيبها في الغرف المغلقة على حد قوله.
وهو ما عقب عليه الناشط النقابي علالة البوزيدي بقوله إن الرئيس التونسي يعلم وفق التقارير الاستخباراتية التي تصله يوميا الأطراف السياسية (حركة النهضة ) التي تعمل على حرق البلاد.
وأضاف، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن سعيد اتهم النهضة في أكثر من مناسبة بالتخابر مع جهات أجنبية، حتى وصل الاتهام بوقوفها وراء الحرائق التي طالت مئات الهكتارات في الجبال الغربية لتونس.
وخلال زيارة له الأسبوع المنقضي للميناء البحري بمحافظة صفاقس (جنوب)، اتهم الرئيس التونسي أطرافًا سياسية بالوقوف وراء تفاقم الهجرة غير الشرعية عبر الحدود البحرية التونسية باتجاه أوروبا.
وقد شهدت الهجرة غير النظامية عبر الحدود البحرية في تونس أرقاما قياسية خلال شهر يوليو/تموز، حسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مستقل).
وأكد سعيد في رسالة وجهها لبعض الأحزاب السياسية وفي إشارة ضمنية لحركة النهضة أن "من يعتقد أنه يمكن أن يواصل المتاجرة ببؤس الشباب وتوظيفه لأغراض سياسية فهو واهم".
وتابع: "رغم المحاولات البائسة واليائسة للبعض لاختراق أجهزة الدولة فإن الدولة التونسية دولة واحدة وليست دولا وهناك رئيس دولة واحد وليس هناك رؤساء دول".
حكومة المشيشي.. ضبابية الرؤية
لم يبق في الآجال الدستورية سوى قرابة 15 يوما، للإعلان عن التركيبة الحكومية التي خصص لها رئيس الحكومة المكلف مشاورات متعددة مع الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية.
ورغم أن الصورة تبدو ضبابية حول التشكيلة التي سيختارها فإن العديد من المصادر المطلعة أفادت لـ"العين الإخبارية" بأن المنهجية العامة التي سيتبعها رئيس الحكومة التونسية هو اختيار شخصيات من خارج الأحزاب.
وأفادت ذات المصادر أن هذا الاختيار رسمه الرئيس التونسي قيس سعيد الذي عبر عن رغبته في تشكيل حكومة بعيدًا عن المحاصصة الحزبية والصراعات الجانبية التي كانت دائما حركة النهضة جزءا فيها.
ويبقى السؤال المطروح هل سيقدر المشيشي على كبح جماح التهديدات الإخوانية أم أنه سيعيد تجارب بعض الحكومات السابقة التي ارتهنت في قرارها للابتزاز الإخواني الذي أضر بالدولة والاقتصاد.
وفي 26 يوليو/تموز، كلف الرئيس التونسي، وزير الداخلية هشام المشيشي، بتشكيل الحكومة القادمة خلفا لإلياس الفخفاخ الذي قدم استقالته.
واستقال الفخفاخ بعد تورطه في شبهة فساد مالي، وصفقات مالية مع الدولة التونسية، اعتبرها خصومه قضية تضارب مصالح متنافية مع مبادئ القانون التونسي
وهشام المشيشي، رجل قانون عمل مستشارا لقيس سعيد خلال توليه الرئاسة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني قبل أن يلتحق بتشكيلة الفخفاخ الحكومية في 27 فبراير/شباط 2020.