"منتدى تعزيز السلم" يرسخ قيمة احترام التنوع ويحذر من حرائق المنطقة
ندوة دولية عن ثقافة السلم في مقر "دار الحديث الحسنية في الرباط"، تحت عنوان "في السلم وفي الحاجة إليه".
شدد العلماء المشاركون في منتدى "تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" على أن التنوع والاختلاف بين الناس حكمة إلهية وأن تباين أحوالهم وأفكارهم سنة تاريخية، غايتها التعارف وتفاعل الثقافات، محذرين من أن الحروب الأهلية هي نوع من العياء والابتلاء، وأن السلم هو الوسيلة الوحيدة للشفاء.
ونظم "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، ندوة دولية عن ثقافة السلم في مقر "دار الحديث الحسنية في الرباط"، استمرت لمدة يومين (12 – 13 يوليو/تموز) الجاري؛ تحت عنوان "في السلم وفي الحاجة إليه".
الندوة شارك فيها كل من الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، والدكتور أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، ومفتي الديار المصرية، الدكتور شوقي علام، والدكتور محمد يسَف، أمين عام المجلس العلمي الأعلى بالمملكة المغربية، والدكتور محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتور آمال جلال، رئيس جامعة القرويين، والدكتور أحمد الخمليشي مدير دار الحديث الحسنية.
افتتح فعاليات الندوة الدكتور أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، بالترحيب بالشيخ عبدالله بن بيه، منوها بدوره المشهود وسعيه المحمود في سبيل ترسيخ ثقافة التسامح والتعايش وتعزيز قيم السلم، منذ سنوات عدة، وبخاصة بعد إطلاق منتدى تعزيز السلم.
واستهل أعمال الندوة الشيخ عبدالله بن بيه، مجدداً التذكير بالمحفزات التي دعته لتأسيس منتدى تعزيز السلم.
وأوضح بن بيه أن "الدم المراق من جسد الأمة، والحرائق المشتعلة في جنباتها وتهدد بفنائها، هي التي استدعت تضافر الجهود وتجاوز كل الأولويات؛ من أجل إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق".
وأكد أن "منتدى تعزيز السلم في أبوظبي، ولد قبل نحو خمس سنوات، للبحث عن مسوغات السلم والعافية؛ كأولوية تتقدم جليل الأعمال".
وأضاف أن "الحروب الأهلية هي نوع من العياء والابتلاء، وأن السلم هو الوسيلة الوحيدة للشفاء. ولكن كيف يمكن إقناع الناس، أو كيف يمكن أن نفسر لهم، أن بعض الأمور، من البديهيات، مثل العدالة على أهميتها، إلا أنها ليست مقدمة على السلم؛ لأن العدالة قد تكون موضوع اختلاف، أما حقن الدماء فلا يختلف عليه أحد. ولذلك لا بد من تحقيق السلم أولاً؛ حتى تتحقق العدالة، فالعدالة ينشدها الأحياء وليس الأموات".
وتحدث الشيخ المجدد عبدالله بن بيه عن كيفية استنباط مقصدية السلم في الكتاب والسنة، وبيّن الآلية، التي جعلته يحكم بأولوية السلم؛ باعتباره مقصداً يتقدم على مجمل مقاصد الشريعة.
وأوضح أن "من خصائص المقاصد العليا أنها تندرج في الكليات مثل العدل، لكن السلم يندرج تحته الصلح والمعاهدات والكثير من الجزئيات، التي لولا السلم ما كانت موجودة، لأنها غاية من غاياته".
وأضاف الشيخ بن بيه أنه أراد لهذه الندوة أن تكون بمثابة "مراجعة لبعض الدروس، ولنتذاكر معكم بعض التجارب، ونجدد المسار".
وشرح الشيخ كيف يمكن الاستنباط في الكليات والجزئيات، وكيف يمكن الحكم عليها وفق شروط التنزيل، ثم عاد إلى مقصد السلم؛ بغرض البيان، فقال: "السلم هو مقصد أعلى في مقاصد الشريعة. وهذه دعوة، وكل دعوة تحتاج إلى برهان، والبرهان هو استقراء أوامر الشريعة، التي بثت السلم في مختلف مواردها".
وأوضح أن "مراتب الأوامر في الشريعة، كما هي عند العز بن عبدالسلام والشاطبي، اللذين يعتبران أن الأوامر من الصيغة واحدة، لكن المصالح المرتبطة بها هي التي تحدث الفرق بينها؛ إذ منها ما وقع في رتبة الضروريات، ومنها ما هو في رتبة الحاجيات، ومنها ما هو في رتبة التحسينيات. والسلم إنما هو الحاضن لهذه المراتب كلها. وهو ما حاولنا القيام به في منتدى تعزيز السلم".
وأشار إلى أن "السلم هو سياج للكليات الخمس في المقاصد، حيث يقول تعالى (ادخلوا في السلم كافة)، كما يقول جل وعلا، (وإنْ جنحوا للسلم فاجنح لها). فالهدف من ذلك بيِّن، وهو أن نحصن أنفسنا ونحافظ على الدماء والأموال والأعراض".
وأكد الشيخ عبدالله بن بيه أنه "في حال تعارض مقصد السلم مع غيره من المقاصد، قُدم مقصد السلم على غيره؛ لأن السلم في حال التزاحم مقدم على غيره؛ تقدم العلة مع المعلول، والسبب على المسبب".
تظاهرة علمية مباركة
وجه الدكتور محمد مطر الكعبي، أمين عام منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الشكر الجزيل إلى المملكة المغربية على استضافتها ندوة "في السلم وفي الحاجة إليه"، ثمّ إلى مؤسسة دار الحديث الحسنية؛ لاحتضانها هذه التظاهرةَ العلميةَ في رحابها المباركة.
وقال الدكتور الكعبي إن "مبادئ الدين الحنيف وتعاليمه الراقية، تثبت اهتمام الإسلام بالتعايش بين البشر، وتبين بجلاء أن هدف الإسلام هو تهذيب النفس البشرية وتنقيتها، وأن الاختلاف بين الناس، وتباين أحوالهم وأفكارهم سنة تاريخية، وحكمة إلهية، غايتها التعارف وتفاعل الثقافات، وتبادل الخبرات، لصالح الإنسانية جمعاء.
وأضاف الدكتور الكعبي أن الاختلاف في عموم الإطلاق له فضيلتان: الأولى أنه يتمتع بشرعية دينية، والثانية أن له مشروعية عقلية وواقعية، لكن هاتين الفضيلتين لا تطلقان له اليد؛ لأن أي مشروع اجتماعي يتطلب أن يبنى على الوفاق العام بين أطراف متعددة، وهذا الوفاق يشترط التسليم بمبدأ الاعتراف المتبادل، ولا يعني الإقرار بأن المختلف هو قطعا على حق، وإنما يعني الإقرار بأن للآخر المختلف أو المخالف الحق في أن يختلف، وألا يترتب على ذلك أية إساءة أو عنف، سواء أكان ذلك لفظيا أم ماديا".
وتابع: "الاختلاف لا يتحقق معناه، ولا تبلغ مقاصده إلا بتدبير إيجابي حقيقي، به يتحقق السلم في المجتمعات لبناء الحضارات، وازدهار المعمورة".
وأشار المطيري إلى أن "الحوار وسيلة لمكافحة التطرف، وأداة لدفع الالتباس بين التدين الصحيح والتشدد المزعوم، ومنهج لإحياء الوازع الديني الأخلاقي والوطني، وترسيخ للتناغم بين مكونات المجتمعات التي تستمد مشروعيتها من الوازع الذي يمنع الاختلالات والاضطرابات والفوضى وسفك الدماء، والذي لولاه لما أمن الناس من الهلاك الحتمي لو خلي بينهم وبين بعضهم بعضا، كما يقول ابن خلدون".
وأضاف أننا بحاجة ماسة إلى توسيع دائرة الاعتدال، ومكافحة التطرف، وإلى تعميق التمسك بالثوابت "معتقدات ونصوص ومقاصد"، وإلى التفاعل الإيجابي مع العالم، كما أننا بحاجة إلى حماية مجتمعاتنا من منتهزي الفرص، ومن الذين يرون سعادتهم في تفريق مجتمعاتهم وتدميرها.
وتابع الكعبي قائلا: "إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة نقوم بتجديد خطابنا بما يعبر عن كنوز ثوابتنا الشرعية، وقدرتنا على توضيحها للجميع، حيث نعمل على انضباط الشأن الديني لمرجعيات شرعية وعلمية تحافظ على ثوابتها، وتعيش واقع عصرها بتركيبته وتغيراته، وخصائصه وإكراهاته، وبما يساعد على التطوير والتحديث الذي يؤدي إلى تماسك المجتمعات الإسلامية وتوحيدها في ظل ما يشهده العالم من تغيرات".
وأوضح أن "هذا هو ما يعمل عليه منتدى تعزيز السلم، ويتكون عليه الطلاب في برنامج إعداد العلماء الشرعيين في مركز الموطأ للدراسات والتعليم وفق رؤية واضحة، ومحددات منهجية منضبطة، تؤدي إلى تنشئة جيل متمسك بهويته، منغرس في خصوصيته الدينية والثقافية، واعٍ بالعالم من حوله، إنساني في خطابه، يسهم في التعاون على إرساء قيم الخير والسلام، والإعلاء من شأن الإنسان في كل مكان".
يذكر أن منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة منتدى عالمي أسسه الشيخ عبدالله بن بيه، وتحتضنه دولة الإمارات العربية المتحدة برعاية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي.
ويسعى المنتدى إلى تأكيد أوَّلِية السلم؛ باعتباره الضامن الحقيقي لسائر الحقوق، ويُسهم في إيجاد فضاء رحب للحوار والتسامح؛ كما يُعزِّز دوْر العلماء في نشر الفهم الصحيح، والمنهجية السليمة للتدين، ويُحيي قيَم الرحمة والحكمة والمصلحة والعدل.
aXA6IDE4LjIxNy4xNjEuMjcg جزيرة ام اند امز