من غزة لهايتي.. 4 أزمات تهدد المصالح الأمريكية

بينما تحتل مأساة غزة صدارة الاهتمام الإعلامي العالمي، تتوارى خلفها ثلاث أزمات إنسانية وأمنية عميقة قد لا تقل خطورة.
ووفقا لتقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنترست"، فالسودان وهايتي وسوريا، وإن غابت عن العناوين الرئيسية، لكنها تشكل قنابل موقوتة قادرة على زعزعة الاستقرار الإقليمي وخلق تحديات مباشرة لواشنطن، على الرغم من تأكيد الأخيرة أن سياستها الخارجية تقتصر على ما يخدم "مصلحتها القومية".
غير أن هذه المصلحة ذاتها قد تكون على المحك في حال استمرار تجاهل هذه الملفات. فالأمر لم يعد مجرد أزمات محلية، بل تحول إلى تهديدات عابرة للحدود تتمثل في انتشار الأوبئة، وتدفق الهجرة غير النظامية، وتوسع الجماعات المسلحة، وإذا ما تُركت هذه الصراعات دون حل، فستصل تبعاتها حتمًا إلى العمق الأمريكي إن عاجلًا أم آجلًا، وفق "ناشيونال إنترست".
السودان: حرب طاحنة ومجاعة تهدد ملايين الأرواح
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية قبل ثلاث سنوات، تحول السودان إلى بؤرة للفوضى الإنسانية والأمنية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص، ونزوح 11 مليونًا، بينهم 4 ملايين عبروا الحدود إلى دول الجوار، مما شكل ضغطًا غير مسبوق على إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان.
يضاف إلى ذلك، ما تعيشه مساحات شاسعة من السودان تحت وطأة المجاعة منذ عام، إذ يحتاج 15 مليون طفل إلى مساعدات عاجلة، فيما تشير التوقعات إلى احتمالات معاناة 3.2 مليون طفل دون الخامسة من سوء التغذية الحاد خلال الأشهر المقبلة.
وبانهيار النظام الصحي، عادت أمراض مثل الكوليرا والملاريا والحصبة لتفتك بالمدنيين، حيث أصاب الكوليرا وحدها أكثر من 32 ألف شخص منذ بداية العام، وأودت بحياة المئات.
وفي خضم هذا الفراغ الأمني، وجدت الجماعات المتطرفة أرضا خصبة لتعزيز نفوذها، وهو ما أكدته تقارير أمريكية رسمية حذرت من استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية داخل البلاد.
وتمثل هذه الأوضاع تهديدًا مباشرًا لأمن القرن الأفريقي، وتزيد من مخاطر الهجرة غير النظامية وانتشار الأوبئة عبر الحدود.
هايتي: دولة على حافة الانهيار الكامل
في النصف الغربي من الكرة الأرضية، تقف هايتي على شفا الانهيار التام، بعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويس في 2021 والذي كان الشرارة التي أشعلت موجة غير مسبوقة من العنف. وامتدت سيطرة العصابات المسلحة من العاصمة إلى مناطق أخرى، مما أدى إلى تشريد أكثر من 1.2 مليون شخص، نصفهم من الأطفال.
ويواجه 2.85 مليون طفل خطر المجاعة، فيما عاد وباء الكوليرا للظهور مجددًا، مع تسجيل أكثر من 1200 حالة مشتبه بها خلال الربع الأول من عام 2025.
والأخطر من ذلك، أن الفقر والعنف دفعا ما يصل إلى 70 بالمائة من الأطفال إلى الانضمام للميليشيات خلال عام واحد فقط.
ورغم محاولات الأمم المتحدة والولايات المتحدة لاحتواء الأزمة، فإن النتائج لا تزال محدودة. واستمرار الفوضى يهدد بموجات هجرة بحرية نحو ولاية فلوريدا، وتمدد نفوذ الجماعات الإجرامية في الكاريبي، وانتشار أوبئة يصعب السيطرة عليها.
سوريا: هدوء هش بلا حلول جذرية
بعد أكثر من عقد على الحرب، هدأت المعارك في سوريا، لكن السلام لم يتحقق بعد. فلا يزال 7.4 مليون نازح داخلي بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينما يواجه أكثر من 400 ألف طفل خطر سوء التغذية الحاد.
وقد أعادت الاضطرابات الأخيرة في محافظة السويداء مشاهد النزوح الجماعي، حيث أجبرت المعارك نحو 192 ألف شخص على الفرار من منازلهم.
كما أسفرت الهجمات التي استهدفت المنشآت الصحية عن مقتل أطباء ومتطوعين، ووضعت الخدمات الأساسية على حافة الانهيار.
وانتهاء القتال لا يعني الاستقرار، فالجوع والفقر يفتحان الباب لعودة تنظيمات متطرفة مثل "داعش"، ويوفران فرصةً لخصوم واشنطن الإقليميين للتوسع.
وتجاهل الملف السوري قد يعني عودة الفوضى التي اندلعت عام 2011، ولكن هذه المرة في بيئة أكثر هشاشة وتعقيدًا.
غزة: الكارثة التي تطغى على كل شيء
في قطاع غزة، تواصل الكارثة الإنسانية استقطاب الاهتمام العالمي، حيث يعيش السكان وسط دمار غير مسبوق منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لكن الخبراء الأمريكيين يحذرون من أن التركيز الحصري على غزة يحجب عن صناع القرار أزمات أخرى لا تقل تهديدًا للمصالح الأمريكية.