«سيد البريكست» في اختبار الزمن بفرنسا.. هل يصمد أكثر من تراس؟
رئيس وزراء فرنسا ميشيل بارنييه يواجه تحديا جديدا بالبقاء في منصبه لمدة أطول من تلك التي قضتها نظيرته البريطانية السابقة ليز تراس.
ويعمل بارنييه لتحقيق الاستقرار السياسي بفرنسا وإصلاح وضعها المالي واستعادة سمعتها كشريك مستقر.
وبعدما سابق الزمن خلال عمله كبيرا لمفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن الخروج البريطاني (البريكست)، يواجه بارنييه تحديا جديدا بالبقاء في منصبه لمدة أطول من تلك التي قضتها تراس بمنصبها، والتي دامت 49 يوما فقط.
بلا ضمانات
بعد أيام من الكشف عنها، تبدأ حكومة بارنييه العمل دون أي ضمانات بشأن المدة التي يمكن أن تصمد خلالها في ظل الوضع الهش للجمعية الوطنية الفرنسية المنقسمة بشدة، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
والإثنين الماضي، عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول اجتماع لمجلس الوزراء، حيث استقبل الوزراء الجدد في قصر الإليزيه وتعهد "بمساعدتهم على النجاح".
لكنه اشتكى من أن المجلس ليس "حكومته" وأنه لم "لم يتمكن حتى من تعيين الوزراء من معسكره".
وكلف ماكرون بارنييه بالمهمة المستحيلة غير المسبوقة المتمثلة في إنشاء حكومة "وحدة وطنية" تعكس السياسة الفرنسية المنقسمة، وتحافظ على إنجازات الرئيس المؤيدة للأعمال، خاصة تلك التي لا تحظى بشعبية مثل رفع سن التقاعد.
وكان على بارنييه أن يفعل ذلك دون إشراك أقصى اليمين منعا لغضب العديد من المشرعين، وأيضا دون إشراك اليسار الذي شعر بالخيانة بسبب قرار ماكرون تعيين السياسي المحافظ رئيسا للوزراء.
وبالتالي، جاءت حكومة بارنييه مزيجا من الوسطيين والشخصيات ذات الميول اليمينية، وسيحتاج الرجل إلى كل خبرته كمفاوض ماهر للحفاظ على استقرار فريقه.
«تنازلات»
في مقابلة مع "فرانس 2"، قال بارنييه: "سنضطر إلى تقديم تنازلات"، وأضاف "لقد تمكنت من التفاوض على وحدة الدول الأعضاء خلال محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وذلك عن طريق ثقافة التسوية".
وأشار إلى أنه "يتعين علينا أن نتعلم ثقافة التسوية هذه لخدمة الشعب".
وفي غضون أيام، سيتعين على الحكومة الجديدة تقديم ميزانية مخففة لعام 2025، تعمل على معالجة المشاكل المالية المتزايدة في البلاد.
تحديات
وسيكون التحدي الأول لبارنييه هو الحفاظ على حكومته بعدما حذر ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المبكرة التي جرت هذا الصيف، من أنه سيقدم اقتراحا لسحب الثقة من الحكومة عقب الخطاب المرتقب لرئيس الوزراء في الجمعية الوطنية الأسبوع المقبل.
ويحتاج هذا الإجراء إلى 289 صوتا لإقراره، وتستفيد حكومة بارنييه نظريا من دعم أكثر من 200 نائب من الكتلتين الوسطية والمحافظة، وهما القوتان الرئيسيتان الوحيدتان في البرلمان اللتان خسرتا مقاعد في الانتخابات الأخيرة.
وتضع هذه النتيجة حكومة بارنييه في موقف غير مريح حيث تحتاج إلى دعم 126 نائبا من التجمع الوطني من أقصى اليمين الذي تقوده مارين لوبان الخصم اللدود لماكرون.
وسبق أن حذرت لوبان من أن الحكومة الجديدة "مؤقتة.. نتيجة للمستنقع الذي خلقته التحالفات غير الطبيعية التي عقدت خلال الانتخابات البرلمانية".
قد تسقط
حذر المشرعون من أقصى اليمين من أنه سيفحصون الميزانية عن كثب وسيسقطون الحكومة إذا حاولت تقديم أي زيادات ضريبية جديد، وقال بارنييه إنه منفتح عليها ومع ذلك قد يكون لدى أقصى اليمين مصلحة في السماح للحكومة الجديدة بالبقاء لبعض الوقت.
وقال أحد كبار أعضاء التجمع الوطني، رفض الكشف عن هويته "أنا لست من أنصار التصويت ضد الحكومة على الفور، فلن يؤدي ذلك إلا إلى المزيد من الفوضى".
ووفقًا للخبير الدستوري بنيامين موريل، فمن مصلحة اليمين المتطرف الانتظار، قائلا "إنهم في وضع يحسدون عليه الآن، فلماذا يريدون الإطاحة بالحكومة؟".
وأضاف: "إنهم صناع الملوك، ويحصلون على أموال عامة كمسؤولين منتخبين ويمكنهم التركيز على تدريب قواتهم"، قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ومع ذلك فإن بارنييه، صاحب العقلية "الهادئة والحازمة والمحاربة" يعرف جيدا أن أيامه معدودة، وذلك وفقًا لما ذكره أحد مساعديه، كما أن رئيس الوزراء قال بعد الكشف عن حكومته الجديدة "تفويضي هش، وسنبذل قصارى جهدنا".
واتخذ بارنييه بعض الخطوات التي قد تسعد أقصى اليمين مثل تعيين السيناتور المحافظ المتشدد برونو ريتيلو وزيراً للداخلية، لكنه لم يتطرق إلا بحذر إلى مواضيع مثيرة للجدل مثل الهجرة ورفع الضرائب.