خبير رقمي يكشف سر تصاعد الهجمات الإلكترونية على فرنسا (حوار)
أكد جيوم بوبارد الخبير الرقمي الفرنسي، أن تزايد الهجمات الإلكترونية التي طالت مؤسسات حيوية في فرنسا خلال الفترة الأخيرة ليس حدثًا معزولًا، بل يعكس تحوّل الفضاء الرقمي إلى ساحة صراع مفتوحة، ذات أبعاد اقتصادية.
وأضاف بوبارد، الخبير في المركز البحثي المتخصص في الأمن السيبراني، والمدير العام السابق للوكالة الوطنية لأمن نظم المعلومات في فرنسا، في حوار خاص لـ"العين الإخبارية"، أن الهجمات التي استهدفت وزارة الداخلية، ووزارة الرياضة، والبريد الفرنسي، وشركات توصيل الطرود، كشفت حجم التهديدات التي تواجهها الدول الحديثة، مؤكدًا أن "التهديد السيبراني بات اليوم أخطر من كثير من التهديدات التقليدية".
وأوضح أن ارتفاع وتيرة الهجمات، رغم خطورته، أسهم في رفع مستوى الوعي والاستثمار في الأمن السيبراني، لكنه شدد على أن "الخصوم يتطورون بالسرعة نفسها، إن لم يكن أسرع".
ومن وزارة الداخلية إلى البريد الفرنسي وشركة توصيل الطرود "مونديال ريلاي"، شهدت فرنسا خلال فترة أعياد الميلاد سلسلة من الهجمات الإلكترونية الواسعة. بعض هذه الهجمات، المرتبطة أحيانًا بجهات روسية، تهدف إلى زعزعة الاستقرار السياسي، في حين أن الغالبية العظمى منها ذات دوافع مالية بحتة.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، بلغت عائدات الجريمة الإلكترونية عام 2020 نحو 1.5 تريليون دولار سنويًا، أي ما يعادل 2.8 ضعف عائدات تجارة المخدرات، ما يبرز حجم الخطر الاقتصادي والأمني المتصاعد.
إليكم نص الحوار:
كيف تقيم تصاعد الهجمات السيبرانية في فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة؟
ما نراه اليوم هو نتيجة طبيعية لتحول الرقمنة إلى العمود الفقري للدولة والاقتصاد، فكلما زادت الخدمات الرقمية، زادت نقاط الضعف المحتملة. الهجمات الأخيرة ليست مفاجئة، لكنها أكثر جرأة وتنظيمًا.
هل يمكن القول إن فرنسا باتت دولة "هشة رقميًا"؟
لا أستخدم كلمة "هشة"، بل "مستهدفة". فرنسا تملك بنية أمنية سيبرانية قوية، لكن حجمها، ودورها السياسي، ووزنها الاقتصادي يجعلها هدفًا دائمًا، سواء من مجموعات إجرامية أو جهات مدعومة من دول.
ما الفرق بين الهجمات ذات الدوافع السياسية وتلك ذات الطابع المالي؟
الهجمات السياسية تهدف إلى إرباك الدولة، تقويض الثقة، أو جمع معلومات حساسة، أما الهجمات المالية فهي تعتمد غالبًا على الابتزاز، تعطيل الأنظمة، أو سرقة البيانات مقابل فدية. الخطير أن بعض الهجمات تجمع بين الاثنين.
ذكرت روسيا في سياق بعض الهجمات… إلى أي مدى هذا دقيق؟
يجب توخي الحذر. الإسناد التقني للهجمات مسألة معقدة. نعم، هناك مجموعات تنشط من روسيا أو من مناطق نفوذها، لكن الأهم هو فهم المنهجية وليس الاكتفاء بتسمية الجهة.
كيف تفسر استهداف مؤسسات خدمية مثل البريد وشركات التوصيل؟
هذه المؤسسات تمتلك بيانات حساسة لملايين المواطنين، وتعمل تحت ضغط زمني دائم. المهاجم يعرف أن تعطيلها لبضع ساعات قد يدفعها للتفاوض أو دفع فدية.
هل نحن أمام سباق تسلح رقمي؟
بالتأكيد. الأمن السيبراني اليوم يشبه سباق التسلح خلال الحرب الباردة. كل طرف يطوّر أدواته، والذكاء الاصطناعي يزيد من تعقيد المشهد بشكل غير مسبوق.
هل ارتفاع عدد الهجمات يعني فشل أنظمة الحماية؟
ليس بالضرورة. في كثير من الأحيان، زيادة الاكتشاف تعني تحسن أنظمة الرصد. لكن التحدي الحقيقي هو سرعة الاستجابة والقدرة على احتواء الضرر.
ما أبرز نقاط الضعف التي يجب على فرنسا معالجتها فورًا؟
العنصر البشري. لأن 80% من الهجمات تبدأ بخطأ بشري: رسالة تصيّد، كلمة مرور ضعيفة، أو جهاز غير مؤمَّن. الاستثمار في التدريب لا يقل أهمية عن الاستثمار في التكنولوجيا.
هل المواطن العادي مستهدف أيضًا؟
نعم، وبشكل متزايد. المواطن هو الحلقة الأضعف أحيانًا، لكنه أيضًا خط الدفاع الأول. الوعي الرقمي أصبح ضرورة يومية، مثل ربط حزام الأمان.
كيف ترى مستقبل الأمن السيبراني في فرنسا؟
المستقبل يتطلب شراكة حقيقية بين الدولة، والقطاع الخاص، والمجتمع. لا يمكن لأي جهة أن تواجه هذا الخطر وحدها، والأمن السيبراني لم يعد مسألة تقنية، بل قضية سيادة وطنية. وبين الهجمات ذات الدوافع المالية والاختراقات ذات الأبعاد السياسية، يتضح أن الفضاء السيبراني أصبح ساحة مواجهة مفتوحة.