وزير داخلية فرنسا على مفترق 2027.. هل ينهض بـ«اليمين» ويبلغ الإليزيه؟

رغم فوزه «الكاسح» داخل البيت الجمهوري، يقف وزير داخلية فرنسا برونو ريتايو أمام اختبار مزدوج؛ بين إعادة بعث حزب أصيب بتآكل استراتيجي؛ وإثبات أن «اليمين» لا يزال يملك لغة قادرة على مخاطبة فرنسا الممزقة بين خطابي الشعبوية والتكنوقراط.
وانتخب وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو المعروف بموقفه المتشدد من قضايا الهجرة، زعيما جديدا لـ«حزب الجمهوريين» المحافظ، في فوز قد يشكل منصة لانطلاق محتمل نحو الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2027.
لكنّ ريتايو، براغماتي منضبط، يدرك أن قيادة الحزب لا تعني بالضرورة امتلاك مفاتيح قصر الإليزيه، في نفس الوقت يعرف أيضًا أن 2027 ليست بعيدة، وأنها قد تكون فرصته الأخيرة لإعادة تموضع اليمين الكلاسيكي ضمن المعادلة الوطنية الكبرى.
لكن الطريق إلى الإليزيه محفوف بما هو أكثر من التحديات، إنه اختبار وجودي لمشروع سياسي بأكمله. فريتايو بحاجة إلى أكثر من خطاب أمني صارم؛ بل إلى سردية متكاملة تعيد تعريف اليمين الجمهوري في مواجهة شعبوية جوردان بارديلا وصيغة «الوسط الماكروني» التي تترنح دون أن تسقط.
وحصل ريتايو، وزير الداخلية الحالي، على 74.3% من أصوات الناخبين الداخليين في الحزب مقابل 25.7% لمنافسه لوران فوكييه، ما اعتُبر انتصارًا حاسمًا يعكس رغبة القواعد في طي صفحة الانقسامات الداخلية بعد سنوات من التخبط.
فهل يحول زعامته الحزبية لزخم شعبي أم سيبقى في قوقعة تنظيمية لا تلامس نبض الشارع؟
يقول المحلل السياسي الفرنسي جان مارك جليبار، الباحث في مركز مؤسسة الابتكار السياسي الفرنسي لـ"العين الإخبارية" إن فوز ريتايو هو انتصار تنظيمي داخل الحزب، لكنه لا يضمن تلقائيًا صعودًا إلى قمة السباق الرئاسي، مشيرًا إلى أن "حزب الجمهوريين لا يزال يعاني من أزمة هوية عميقة بين إرث ساركوزي، وضغط أقصى اليمين، وجاذبية الوسط.
وأضاف: "الناخب الفرنسي منقسم اليوم بين أقصى اليمين المتمثل في مارين لوبان وجوردان بارديلا، والبراغماتية الماكرونية، مشيرًا إلى أن ريتايو بحاجة إلى خطاب يجمع الأمن، السيادة، والعدالة الاجتماعية دون أن يقع في فخ التطرف أو التكرار.
إرث ورهان
من جهتها، اعتبرت الخبيرة السياسي المعاصر بولين فيرييه، من معهد مونتيني، لـ"العين الإخبارية" أن "ريتايو يحظى بصورة رجل دولة صارم وكلاسيكي، لكنه يفتقر حتى الآن إلى دينامية شعبية خارج الحزب".
وأوضحت أن: "الرهان الأكبر بالنسبة له هو القدرة على جذب الشباب والناخبين الذين هجَروا الجمهوريين نحو لوبان أو ماكرون. عليه أن يثبت أن اليمين التقليدي لا يزال قادرًا على مخاطبة فرنسا المتغيرة".
تحديات داخلية واختبارات كبرى
ومن المتوقع أن يواجه ريتايو في الأشهر المقبلة سلسلة اختبارات حاسمة، بدءًا من الانتخابات البلدية والإقليمية، وصولًا إلى بلورة مشروع رئاسي جامع. وتشكّل العلاقة مع رئيس الوزراء فرنسوا بايرو، الذي دعمه سابقًا، عاملًا حساسًا في تحديد ملامح التحالفات داخل المعسكر اليميني.
وتشير تحليلات نشرتها صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية إلى أن ريتايو يعمل على تشكيل "لجنة مشروع رئاسي" تضم شخصيات شابة وخبراء استراتيجيين في محاولة للخروج بخطاب يوازن بين الصرامة الاقتصادية والسيادة الوطنية من جهة، والانفتاح على الطبقات الوسطى والريف المهمش من جهة أخرى.
منافسة منتظرة
في ظل التصاعد المستمر لشعبية حزب "التجمع الوطني"، يرى المراقبون أن المعركة الحقيقية لبرونو ريتايو ليست فقط مع أنصار إيمانويل ماكرون، بل مع جوردان بارديلا، الذي يتحضّر ليكون مرشح أقصى اليمين في 2027.
وفي هذا السياق، يحذر الباحث السياسي جيرار نورمان من أن "أي ميل من ريتايو لتقليد خطاب لوبان سيُفقده شرعيته لدى الناخبين الوسطيين، دون أن يكسب ثقة المتطرفين".
ورغم أن فوز برونو ريتايو برئاسة حزب الجمهوريين يضعه على طريق الزعامة السياسية، لكنه يدرك جيدًا أن رئاسة الحزب شيء، والفوز بالرئاسة الفرنسية شيء آخر تمامًا، وفقاً للباحث السياسي الفرنسي.
aXA6IDMuMTM5Ljg2LjEyOCA= جزيرة ام اند امز