ماكرون ولوبان بانتخابات فرنسا.. "وريث التقليد" أم عباءة المواقف؟
صدم الكثير من الفرنسيين بمواقفه لكنه سجّل نقاطا على الصعيد الدولي، أما هي فتعود إلى الحلبة بعباءة مواقف لم تخرج عن جلباب والدها.
إيمانويل ماكرون ومارين لوبان؛ مرشحان للجولة الثانية للانتخابات الفرنسية المقررة غدا الأحد، يدخلان حلبة الصراع بخطوط عريضة تجر مسيرة كل واحد منهما؛ الأول حصيلته الرئاسية، والثانية نتائج عملية تجميل سياسي خضعت لها على أمل تحسين صورتها أمام الفرنسيين.
رئيس منتهية ولايته يواجه زعيمة اليمين المتطرف التي يجزم متابعون أنها نجحت في الخروج من عباءة والدها جان ماري لوبان، لكنها فشلت في الخروج من عباءة مواقف استبعدت والدها نفسه من قصر الإليزيه في 2002، قبل أن تتجرع هي مرارة الفشل في 2017، وقد يتكرر السيناريو غدا.
"وريث التقليد"
أمضى ماكرون الذي يتهمه فرنسيون بالعجرفة، خمسة أعوام في الرئاسة طبعتها قدرته على تغيير سياساته وتطويعها حسب الحاجة، في أسلوب دفع صحيفة لوموند لتشبيهه بـ"الحرباء".
ومن شخصية مغمورة لم يسبق لها أن انتخبت في أي منصب عام، أصبح وزيرا للاقتصاد في حكومة الرئيس الاشتراكي السابق فرانسوا أولاند، ثم أصغر رئيس سنّا يدخل قصر الإليزيه في 2017، وهو لم يزل في التاسعة والثلاثين من العمر.
عرف الشاب الطموح كيف يرسم لنفسه صورة الآتي من خارج الحلبة التقليدية لليسار واليمين، والقادر على اللعب بحنكة على وتر تشتت الأحزاب التقليدية في الجمهورية الخامسة، كما أحاط نفسه بفريق وفي يرتكز على شبان في الثلاثينات من العمر بنوا خبراتهم في مجالات الإعلان والاستشارات والمناصب الإدارية.
وأبدى المصرفي السابق خرّيج "المدرسة الوطنية للإدارة" (إينا) الممر شبه الالزامي لكل طامح لتولي مسؤولية عامة عليا في فرنسا، باستمرار رغبته بأن يثير مفاجأة وحتى صدمة.
في وقت مبكر، التصقت به صفة "رئيس الأثرياء" ونخب المدن لا سيما بعد قرارين اتخذهما في بداية ولايته الرئاسية ولم يقبل بهما اليسار على الاطلاق: إلغاء الضريبة على الثروة، وخفض الإعانات للإسكان.
وفي نظر قسم من الفرنسيين، تؤشّر مواقف علنية وتصريحات أدلى بها على انفصاله عن حياتهم اليومية، مثل حديثه عن أناس "لا يساوون شيئا"، أو اعتباره أن العاطلين عن العمل قد يجدون وظيفة بمجرد "أن يعبروا الشارع"، ليثير بذلك نفورا لا عودة عنه لدى بعض اليسار والأوساط الشعبية.
وأقدم ماكرون أيضا خلال ولايته على رهانات تنطوي على مخاطرة، مثل رفضه في يناير/ كانون ثاني 2021 فرض إغلاق شامل جديد نادى به وزراء وعلماء في خضم تفشي جائحة كورونا، إلا أن هذا القرار صبّ في نهاية المطاف في مصلحته.
على الرغم من ذلك، ينهي ماكرون ولايته وهو يتمتع بشعبية أكبر من تلك التي حظي بها - في الفترة ذاتها - سلفاه فرانسوا أولاند ونيكولا ساركوزي.
وسعى ماكرون الى توسيع قاعدة شعبيته خصوصا في المراحل الأخيرة، حيث ابتعد عن ميله الإصلاحي الليبرالي واختار توفير مساعدات اجتماعية واقتصادية هائلة خلال الجائحة، ووضعها في إطار معادلة مساعدة الفرنسيين "مهما كلّف الأمر".
وفي الآونة الأخيرة، عاد إلى تكرار عبارة "في الوقت عينه" التي ردّدها مرارا خلال حملته الانتخابية في 2017، ودفع بالإجراءات الاجتماعية في برنامجه الى الواجهة، في وقت يبدو أن وجهة أصوات اليسار قد تكون فاصلة في تحديد الفائز في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية بينه وبين منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبن.
ومما يُحسب له أيضا أنه أبقى على هوامش في بعض القضايا العقائدية، إلا أنه لم يحد مطلقا عن تلك المؤيدة لأوروبا التي جعل منها الركن الأساسي لدبلوماسيته على مدى خمسة أعوام، ويدفع باتجاه تعزيز الدفاع الأوروبي.
ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، بقي ماكرون أكثر القادة تواصلا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويؤدي دور وسيطا بين الكرملين من جهة، وقادة الغرب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهة أخرى.
عباءة المواقف
للمرة الثانية على التوالي، تصل زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبان للدورة الحاسمة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، متوجة عقدا أمضته في تحسين صورتها لدى الرأي العام من دون أن تبدّل برنامجها.
السيدة الطموحة التي عرفت بطباعها الحادة، هي الابنة الصغرى لجان-ماري لوبان، مؤسس "الجبهة الوطنية" وأحد أبرز الوجوه المثيرة للجدل في التاريخ الحديث للسياسة الفرنسية.
ومثل والدها في 2002، بلغت مارين الدورة الثانية الفاصلة لانتخابات 2017 حين خسرت أمام إيمانويل ماكرون الذي ستواجهه مجددا الأحد.
وعلى مدى عقود، بقي لوبان الأب الاسم الطاغي في اليمين المتطرّف الفرنسي، إلا أنه لم يكن ليحلم بالمدى الذي بلغته الصغرى بين بناته الثلاث.
لكن حضور مارين لم يكن حصرا نتاج الوراثة السياسية، بل يعود نجاحها في تحقيق ذلك بشكل أساسي الى عملها بتروٍّ على تفكيك ما أسّسه والدها، خصوصا إزالة كل الرواسب العنصرية والمعادية للسامية التي طبعت خطابه.
ومضت لوبان في "نزع الشيطنة" عن الجبهة الوطنية، ووصلت إلى حد طرد والدها المؤسس في 2015، بعدما باتت على قناعة بأن مواقفه الخلافية والجدلية ستبقى عائقا أمام أي انتصار لها.
ولاحقا، عملت لوبان على تغيير صورة الحزب الذي تترأسه منذ 2011، عبر مسار "تطبيع" كانت إحدى محطاته تغيير الاسم، اذ حلّ "التجمع الوطني" بدلا من "الجبهة الوطنية" في 2018.
ولم تكن لعبة الأسماء غريبة عن تكتلها السياسي: الإرث الثقيل الذي تركه جان-ماري، ما دفع الحزب الى أن يخوض الحملة الانتخابية مع التركيز على اسم "مارين" بدلا من كنيتها التي كانت عبئا عليها منذ أعوام طويلة.
وقالت في مقابلة مع مجلة "كلوزر" إنه خلال شبابها "لم يكن سهلا على الناس الانخراط في علاقة عاطفية مع مارين لوبان" بسبب الاسم الذي تحمله، مضيفة: "أذكر أن أحد الرجال اختار الانفصال عني بسبب ثقل الضغط الذي فرضه عليه محيطه الاجتماعي".
وأبعد من القضايا الشخصية والأسماء، سعت لوبان خلال الأعوام الماضية إلى تقديم صورة أكثر ودّية: ردود فعل أقل انفعالا في مواجهة أسئلة الصحافيين، ملابس بألوان فاتحة، وابتسامة حاضرة حتى في خضم المناظرة التلفزيونية مع ماكرون قبل أيام من يوم الحسم.
وفي الجوهر السياسي، تركّز على الاقتصاد الذي كان هامشيا في قائمة أولويات الجبهة الوطنية، سعيا لجذب ناخبين "خسروا" جراء العولمة.
وركزت لوبان في حملة 2022 على القدرة الشرائية التي باتت الشغل الشاغل للفرنسيين مع ارتفاع أسعار موارد الطاقة والغذاء عالميا في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا.
لكن ورغم عملية التجميل الظاهرية، إلا أن مواقف لوبان تبدو ثابتة في شكل عباءة ملتصقة بأفكارها، وهي المرشحة اليمينية المتطرفة التي تريد أن تدرج في الدستور "الأولوية الوطنية" التي ستحرم الأجانب من امتيازات عدة.
وتريد أيضا طرد المهاجرين غير الشرعيين والمجرمين ومرتكبي الجنح الأجانب، إضافة إلى الذين يشتبه بتطرّفهم والأجانب العاطلين عن العمل لأكثر من عام.
aXA6IDE4LjIxNy4yNTIuMTk0IA== جزيرة ام اند امز