سيناريو فوز لوبان.. فرنسا نحو العزلة
فوز سيتردد صداه في أنحاء أوروبا وعبر المحيط الأطلسي، وسيحدث تسونامي قد ينسف أيضا بعض تقاليد فرنسا ويفرض قطيعة مع ملامح دبلوماسيتها.
طرح قد تجد فرنسا نفسها بمواجهته في حال فوز مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان بالاقتراع المقرر في جولته الحاسمة الأحد المقبل، وهو السيناريو الذي يظل واردا في ظل التردد الذي يعاني منه قسم واسع من الناخبين الفرنسيين.
لوبان؛ الشخصية التي تساورها شكوك عميقة في الاتحاد الأوروبي، ولطالما عبرت عن إعجابها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحاول هذه المرة "إزالة سوء الفهم" على حد تعبيرها بشأن سياستها الخارجية، خصوصا عقب الجدل الذي فجره فهمها المهتز للجغرافيا السياسية.
ففي أحد تصريحاتها، أكدت أن موسكو لم تقم بغزو شبه جزيرة القرم في 2014، وهو ما كلفها سخرية حتى بصفوف أنصارها، وتشكيكا بقدرتها على قيادة العلاقات الخارجية لبلد بحجم فرنسا.
تصدع في صورتها دفعها قبل أيام لعقد مؤتمر صحفي استمر 90 دقيقة حاولت من خلاله استعراض إمكانياتها لقيادة البلاد وسط التحديات المحلية والدولية، لكنها وبعد استعراض طويل وممل للسياسة الخارجية الفرنسية، سقطت في فخ استهداف "غير دقيق" لدبلوماسية ماكرون التي وصفتها بـ"الثرثارة وغير المدروسة".
لكن إجمالا، تبدو لوبان واضحة بشأن توجهاتها؛ ستنسف كل سياسات الإليزيه الحالية ولن تتقيد بقانون الاتحاد الأوروبي خلافا لماكرون المعروف بدفاعه الشرس عن تكتل القارة العجوز، كما تؤمن بالهيمنة بقانون فرنسا؛ وجميعها خطوط قد تقلب السياسة الخارجية لفرنسا رأسا على عقب.
عزل فرنسا
مع أنها خففت لهجتها بشأن ضرورة الخروج من منطقة اليورو مقارنة بعام 2017، إلا أن لوبان لا تزال تُظهر عدم ثقة في الاتحاد الأوروبي، معتبرة أنه تحت قيادتها، يمكن لفرنسا أن تجري مراجعة جذرية لمشاركتها في الميزانية الأوروبية.
وتقول بهذا الخصوص: "سنستمر في دفع مساهمة للاتحاد الأوروبي، ولكن عندما نعطيها 23 مليارًا، فإننا نتلقى 14، سنضمن أن لا يكون هذا الفرق البالغ 9 مليارات أكثر من 4 مليارات".
وفي عام 2017، أرادت مارين لوبان أيضًا إجراء استفتاء لإخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، لكن بعد خمس سنوات، تعتزم بدلاً من ذلك العمل من أجل "إنشاء تحالف أوروبي للدول الهادفة إلى الانسحاب تدريجيا من الاتحاد الأوروبي".
ولتنفيذ هذا المشروع، تريد لوبان التي كانت عضوا بالبرلمان الأوروبي لمدة 12 عاما، تكثيف المفاوضات الثنائية بين باريس وبروكسل.
وبحسب فريديريك تشاريلون، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في السياسة الخارجية الفرنسية، فإن لوبان تنوي قيادة حملة مماثلة "من خلال اتصالات تمت داخل اليمين الراديكالي الأوروبي، لا سيما مع الرئيس المجري فيكتور أوربان الذي لن يشعر بالوحدة في أوروبا".
فرنسا وألمانيا
بالنسبة لمارين لوبان، فإن توأمة فرنسا وألمانيا "محض خيال"، معتبرة أن الشراكة بين البلدين لم تجلب شيئًا سوى "خيبة الأمل والخيانة"، بل بلغ استياؤها حد التنديد خلال مؤتمرها الصحفي حول السياسة الخارجية الفرنسية بـ"العمى الفرنسي لبرلين".
ولذلك، وعدت لوبان في برنامجها الانتخابي"بوضع حد للتعاون الصناعي مع ألمانيا في مجال التسلح"، ما يثير "اختلافات استراتيجية لا يمكن التوفيق بينها"، وفق الخبير الذي يرى أن هذه مسافة من شأنها أن تصل إلى مقر الأمم المتحدة.
وبالفعل، ترفض لوبان دعم حصول ألمانيا على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي تعتبر فرنسا عضوًا فيه منذ عام 1945.
ووفق الدبلوماسي ميشيل دوكلوس، المستشار الخاص في معهد "مونتين"، فإن لوبان تريد "عزل فرنسا"، محذرا من أن سياسة مماثلة من شأنها أن تضعف البلاد "والنزول ثلاث أو أربع درجات في سلم القوة".
قانون دولي على المقاس
في الصفحة 6 من برنامجها، تتعهد مارين لوبان باختيار "سياسة عدم استخدام اليدين" فيما يتعلق بالدفاع، وترى أن هذا يفترض أن "تنسحب فرنسا من القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)"، وفي المقابل تؤكد أنه لا جدال في التخلي عن "تطبيق المادة 5" التي تلزم جنود الناتو بالتدخل عندما يتعرض أحد أعضائه للهجوم.
وتوضح أميلي زيما، البروفيسورة في العلوم السياسية بجامعة باريس نانتير، أن "هذا ممكن تمامًا، فقط يكفي إبلاغ الرئيس الأمريكي والأمين العام للناتو"، مستدركة أن "هذا النهج يخاطر بإعطاء الانطباع بأن القرارات الفرنسية مرتبكة خصوصا بعد عودتنا إلى القيادة المتكاملة في عام 2009".
وبشكل عام، ستدعو مارين لوبان إلى "العودة إلى الحوار الثنائي" بأسلوب "الأخذ والعطاء"، وفي حال وصلت الإليزيه، فإن مرشحة حزب الجبهة الوطنية تريد أن تحرر نفسها من أي "تعددية"، كما تخطط لإعطاء الأولوية للقانون الوطني على القانون الأوروبي والمعاهدات الدولية.
ومع أنها تؤكد أنها لا تريد الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، لكن لوبان تفرض ألا تملي الوثيقة على فرنسا وتيرة الإصلاحات، متبنية بذلك رؤية خاصة للالتزام، والتي ترى أن أي انتقاص منها يعادل عدم احترام البروتوكول الموقع.
aXA6IDUyLjE0LjI1Mi4xNiA=
جزيرة ام اند امز